بـقــلـم : حــســــن زايـــــــــد
لقد آثرت التريث في تناول موضوع التحذيرات الأمنية ، التي أصدرتها السفارات الأمريكية والبريطانية والكندية لرعايا دول هذه السفارات الثلاث . حيث نصحت السفارة الأمريكية الرعايا الأمريكيين المقيمين في القاهرة بتجنب التواجد في التجمعات والأماكن العامة ، مثل : قاعات الإحتفالات ، ودور السينما ، والمتاحف ، والمولات . وذلك بعد غد الأحد 9 اكتوبر ، محذرة من مخاوف أمنية محتملة . وقامت السفارة بوضع أرقام تليفونات ، وبريد الكتروني ، للتواصل مع السفارة . وتبعتها في ذلك السفارة الأمريكية ، والسفارة الكندية. صدرت هذه التحذيرات يوم الجمعة 7 اكتوبر . وإيثاري للتريث ليس لأن هذه التحذيرات قد أثارت في نفسي مخاوف من وقوع أية أحداث فعلية ، وإنما فقط من باب صيانة الإحتمال ، إذ ربما يقع حادث ما علي سبيل المصادفة المحضة ، لا علاقة له بهذه التحذيرات من قريب أو بعيد ، فيقال ألم نحذر من ذلك ، وقد زايدتم علينا ، وعلي الواقع بالقول بوجود نظرية المؤامرة . وها هو اليوم قد مر علي مصر بسلام دون وقوع أي مخاطر سواء للمصريين أو الأجانب . ومن هنا يحق لنا التساؤل دون اتهام بالمزايدة ، أو القول بنظرية المؤامرة ، عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بالسفارة الأمريكية ـ التي لم تتصرف بمعزل عن الإدارة الأمريكية ـ إلي التصرف علي هذا النحو المريب . وعن مصادر المعلومات التي حدت بها إلي إصدار التحذيرات . فأما عن مصدر المعلومات فيمكن حصره في ثلاث : المصدر الأول ـ أن تكون أجهزة الإستخبارات الأمريكية / الغربية قد تجمعت لديها معلومات بهذا الصدد . وفي هذه الحالة كان يتعين علي الجانب الأمريكي إبلاغ هذه المعلومات للجانب المصري في ظل وجود اتفاقية بشأن تبادل المعلومات الإستخباراتية بين البلدين ، حتي تتخذ هذه الأجهزة جانب الحيطة والحذر ووضعية الترقب والجاهزية ، وذلك بمنأي عن وسائل الإعلام ، حتي لا تضار الدولة بإشاعة هذه المعلومات . ولا يصح الزعم بأن هذه التحذيرات روتينية ، لما يترتب عليها من مخاطر، ولا يصح التبرير لمسلكها بزعم أنها تسلكه حيال الدول الغربية ، لأن هذا الزعم مدحوض بالوقائع ، فالتحذيرات المماثلة تأتي بعد وقوع الأحداث الإرهابية وليس قبلها . المصدر الثاني ـ أن تكون السفارة الأمريكية علي صلة مباشرة ببعض العناصر الإرهابية ، أو الداعمة لها ، وقد أوهموها بمخططات إرهابية سيجري تنفيذها علي الأراضي المصرية في هذا اليوم . وهنا كان يتعين علي السفارة الأمريكية الإتصال كذلك بالأجهزة الأمنية إعمالاً للإتفاقية المشار اليها آنفاً . أو أن السفارة متعاونة وداعمة وضالعة مع عناصر إرهابية تستهدف النيل من استقرار الدولة ، ويدعم ذلك المؤتمر الذي عقد علي الأراضي الأمريكية لجماعة الإخوان ، وأذنابها ، والداعمين لها ، والمنتفعين من وراءها ، وذلك بقصد التنظيم لأحداث متوقعة تستهدف الأمن المصري ، يوم 11 / 11 القادم . المصدر الثالث ـ أن تكون هذه التحذيرات مستندة إلي معلومات مفبركة مختلقة من جانب السفارة لا توجد سوي في عقول عناصرها الأمنية ، بقصد إحداث فرقعة إعلامية ، تغمر الفضاء الإعلامي ، وتركها تحقق نتائجها تلقائيا ، في كيان الدولة المصرية . مستندة في ذلك إلي معلومة خفية توجد في منطقة اللاشعور المصري ، يجري استدعائها إلي بؤرة الشعور علي هذا النحو ، وهي ذكري أحداث ماسبيرو . وبمرور اليوم بسلام دون أية أحداث يرجح بدرجة ما المصدر الثاني ، كما يرشح بدرجة أشد المصدر الثالث . وهنا يحق لنا التساؤل عن المبررات التي دفعت السفارة الأمريكية إلي هذا التصرف ، دون الولوج في نظرية المؤامرة ، أو إتهامنا بذلك . ومن المبررات والدوافع التي يمكن حصرها ما يلي : ـ إشعال الإرض تحت أقدام النظام المصري بإحداث مزيد من الفوضي والسخط . ـ ضرب موسم السياحة القادم مع بداية الإنفراجة في الأزمة السياحية . ـ ضرب احتفالية مصر بمرور 150 عاماً علي حياتها النيابية . ـ التأثير السلبي علي الوضع الإقتصادي المصري ، بإثارة الرعب في نفوس المستثمرين العرب والأجانب . ـ خلق مناخ دولي معاد يضر بالمصالح المصرية . وبالقطع فإن هذه التحذيرات تستهدف كل هذا طالما أنها قد صدرت علي هذا النحو ، بخلاف أنه قد جري نشرها في كل وسائل الإعلام الغربية ، بالإضافة إلي وسائل التواصل الإجتماعي . ومما يدعو للتعجب والدهشة ما قامت به السفارتين البريطانية والكندية ، ومصدر الدهشة أنهما إما قد حصلتا علي المعلومات المزعومة من السفارة الأمريكية ، وإما أنهما قد توصلتا لذات المعلومات بمعرفتهما . ولا ريب أنهما قد وضعتا في موقف حرج ـ يستشعره من لديه دم ـ علي إثر تراجع السفارة الأمريكية عن موقفها من جدية هذه التحذيرات باعتبارها تصدر بشكل روتيني . وهنا يأتي السؤال الأهم : هل من يقوم بمثل هذه الأعمال والتصرفات يضمر للدولة المصرية خيراً ، ويتعامل معها باعتبارها حليفاً استراتيجياً . أم أنها دولة تأتي بممارسات عدوانية صارخة وفاضحة وإن كانت غير معلنة ؟ . وهل نكون مبالغين إذا تحدثنا بمنطق نظرية المؤامرة ، التي تستهدف مصر والمنطقة لصالح الدولة العبرية ؟ .