على الرغم من صلابتها ، إلا أنها وحيدة ، هاهي أمطار حزيران تهدد بتقويض ظلة السعف لسقف بيتها المحتاج إصلاحاً منذ زمن ، غارقة في هوة اللاوعي ، مستسلمة بوداعة إلى تفاصيل أيامها ، تتلقَّط الأخبار عن وطنها ، تقرأ عن أصداف متعفنة ملأت القنوات ، تاريخ لم يبق من عظمته سوى قطط بين الأنقاض ، محاصيل القمح تحترق ، و” الحب ” اجتاز المحيط بحثاً عن رغيف خبز غير معجون بالدم ، لحن الأجراس يُسمع الآن من علب بودرة ، مصدرها ” الصين ” ، بُحَة الأذان حديث ذو أشجان ..
” الوطن بخير ..!!! ”
لكنها لم تصدق ..!!!!!
ثمة قوة اكبر من أي قيد مرئي تبقيها مشدودة إلى متابعة الطيور ، تحمِّلها شوقها إلى أرصفة الحارات وأقبية الدور
ها هو بائع ” الفول ” يبتسم للصباح بلفتة طيبة ..!!!
وتلك العجوز تحوكُ دانتيلا الصنارة لحفيدتها غير عابئة بمفاجآت الإرهاب ، أسماء العشاق في الحدائق محفورة على جذوع الأشجار ، بطاقات البريد برائحة الورد ، رجل يغزل السكر الملون مازال يجوب الطرقات منادياً : هلمُّوا ياصغار المجد ..
” الوطن بخير ”
لكنها لم تصدق ..!!!
خامرها الشك ، فقد علمت للتو أن العجوز لم تكمل حياكة الصوف ، اغتالتها شظية دولية لأنها جدَّة رؤوم، وأن بائع الفول نقل دكانه إلى بلد الثلج فقد وجده أكثر أمناً ودفئاً من الشمس
طواويس اللصوص وأصحاب الرفعة مازالت تملأ الجيوب ،
” العيد ” شُوهد حول البيوت مؤخراً ، حاملاً مظلة من الحرير ، يداعب وجنات الصغار بأنامل الصقيع ..
صوت لايمكن تصور صوت آخر مثله على هذه الأرض ، دوى بقوة ، البرق شقَّ السماء بنور ، تهاطل المطر ..!!!!!
” الوطن بخير ..”
لكننا لسنا كذلك ..!!!!!
—————-
سورية
الثاني والعشرين من رمضان
اسطنبول