التراث عبارة عن استمرارية ثقافية على نطاق واسع في مجالي الزمان والمكان تتحدد على أساس التشكيلات المستمرة في الثقافة “الكلية” وهي تشمل فترة زمنية طويلة نسبياً , وهو يشمل ما خلفه لنا الأسلاف من تراث حضاري قديم مثل الآثار بكل أنواعها ويشمل التراث البابلي والسومري والآشوري والفرعونى بكل عادياتها من قيم ومبادئ وتاريخ يسطر.. وهو ما يسمى بـ الآثار القديمة.
فالتراث القومي هو التراث الذي يشمل فترة الزمنية الذي ظهر فيه القوميات أشكالها كافة وأخذت لها نظاماً معيناً وحافظت عليه وظهرت على أثرها الأمم والقوميات واعتزت بتراثها وعلمائها من مفكرين وشعراء ومغنين وأطباء، حيث ظهرت في الفترة القوميات الرومانية والفارسية والاغريقية والعربية واتخذت لها أشكال القومية المستقلة لغة وأرضا وشعباً وعليها بني التاريخ الحديث .
التراث في المقام الأول هو الذي يعطي لشعب من الشعوب هويته الخاصة التي تميزه عن الشعوب الأخرى، والتي بدورها تضع هذا الشعب في مصاف الشعوب التاريخية التي لها تاريخ عريق تحتفي به، والأجمل هو أن يكون هذا التاريخ العريق قد أسهم في تطوير الشعوب , والتراث ليس محصوراً على شعب أو ثقافة معينة، بل يمتد ليشمل كافة النطق الأخرى، وأهمها النطاق الإنساني الذي يجمع البشر كافّة، فالتراث بهذا المعنى يمكن أن يُعرّف على أنّه كل ما تتلقفه الأجيال عن الأجيال التي تسبقها، وكل ما ستورثه هذه الأجيال إلى الأجيال التي ستأتي بعدها.
فالإنسانية جمعاء لها تراث عريق بدأ منذ خلق الله تعالى البشر إلى يومنا هذا الذي نحن فيه، وهو تراث ممتد إلى ما شاء الله له أن يكون. يكتسب التراث صفة التراكم، وليس الحذف، فالجديد يبنى على ما هو قديم . ولا يهدمه، وهذا هو أساس المعرفة أيضاً وليس التراث فقط،فالتراث هو ما يشكل الهوية الوطنية لشعب معين من الشعوب، حيث إنه يربط الماضي بالحاضر.فمن أهمل تراثه لا بد وأنه قد أهمل جزءاً من كينونته، فكل الأمم والحضارات المتقدمة لا تستطيع أن تنسى تراثها فتراثها قد أصبح جزءاً منها إذ إنه لا يمكن الاستغناء عنه نهائياً، لأنه الرابط الذي يربط بين أبناء الشعب الواحد، أما إن نظرنا إلى التراث من زاوية أعمق.
فإننا سنرى أن الحضارات بنيت على التراث، فالتراث هو الذي شكلها وأعاد صياغتها وأطلقها مرة أخرى في الشكل الذي عرفت فيه، فالحضارة إن لم تكن مبنية على أساس تراثي أصبحت عالة على الثقافات الأخرى، حيث إنها قطعاً ستستمد من تراث الآخرين كل ما يلزمها حتى تستطيع أن تجعل لنفسها كينونة وشخصية خاصة بها،انتقلت للثقافة المعاصرة، كل تجارب المجتمعات السابقة وبميل بعض الباحثين الى اعتبار التراث ظاهرة ثقافية توقفت عن التطور وكانت مرتبطة بمرحلة تاريخية معينة.
ومن الجدير بالذكر أن التراث هو ليس الطابع أو الخصائص القومية بل هو أعمق من ذلك فهو يعبر عن مجموع التاريخ المادي والمعنوي لحضارة معينة منذ أقدم العصور فكثير هي الحضارات التي حكمت منطقة أو مكان واحد ومع أن هذه الحضارات قد ولت إلا أن التراث اعادها.
إن التراث الشعبي ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية ، وهو علم يدرس الآن في الكثير من الجامعات , وهذا يعنى أن التراث ليس كل ما وصل إلينا من الماضى , وإنما هو كل ما وصل إلينا من الماضى وله خاصية الفعل والتأثير فى حياتنا وعلى أفكارنا ومفاهيمنا وتصوراتنا . والذى لا يمتلك هذه الخاصية لا يصدق عليه وصف التراث , بالمعنى الوظيفى للتراث.
وخلاصة القول أن الدارسين للتراث يحصرون اهتمامهم في المصادر المكتوبة وذلك في العالم العربي بشكل خاص، وعلينا أن لا نغفل دور علماء العرب الاقدمين أمثال الجاحظ الذي كتب عن حياة العامة في عصره , التراث هو من جهة ينتمى الى الماضى من حيث النشأة والتكوين ,ومن حيث الإطار الزمنى والتاريخى,ومن جهة أخرى هو مؤثر فعال فى التكوين الحضارى وفى حياتنا الفكرية عموما.
التراث في بمثابة الجذور في الشجرة، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمان