حينما أقف على البحر , أشعر بكل المتناقضات
القوة والضعف
الحب والغدر
النصر والهزيمة
المد والجزر
الشهيق والزفير
الشدة واللين
أرى اللون الأبيض والأسود
الشروق والغروب
البناء والإنهيار
فلسفة الأضداد
والضد يظهر حسنه الضد
البحر هو خزانة التاريخ البشري
شهد المعارك والحملات والسفن والمدمرات
في أحشاء البحر كل سر
حديث الأمس واليوم والغد في البحر
ومن ثم أعشق السباحة في البحر
وما أدراك ما سر البحر
رياضة السباحة كانت لها حظ وافر من حياتي , السباحة في البحر , علمتني السباحة في الفكر , حينما كنت أفكر في موضوع هام أو مصيري لم أجد إلا البحر الذي يحضني ويحاورني ويرشدني, ويجيبني ويحفظ كل أسراري , لم أجد غير البحر للحوار وربما الجل وأحياناً الثرثرة , ومن ثم كنت أسبح بعيداً حتى تتلاشى رمال الشاطئ .
السباحة علّمتني السياحة لبعض الجزر القريبة من الشاطئ , حينما كنت أصل لتلك الجزر وأُلقي بجسدي المنهك من السباحة الطويلة كنت أشعر بالتميز والإنفراد لأني ربما اكون الوحيد الذي وصل لصخور
تلك الجزر , السباحة علّمتني التحدي والمثابرة والوصول للهدف , هذا الشعور ظل ملازماً لي طوال حياتي .
تحديد الهدف والوصول إليه .
عندما كنت أمارس رياضة السباحة كنت أمارس في نفس الوقت رياضة التأمل وقوة الملاحظة , شاهدت شروق الشمس وغروبها , إكتشفت حقول الأسماك المتنوعة , كنت أمارس رياضة الغوص لأعيش مع الأحياء المائية , وكنت أستمتع بدنيا الألوان وسحر المكان , حاولت أن أفهم لغة الأسماك , عالم الماء الأقدم وجوداً في الحياة .
صادقت المحارات , بل خبأت أحلامي في ثقوب تلك الصخور المتناثرة على الشاطئ .
صخور السر , والحب , والفكر , والمناجاة .
خزائن من المشاعر التي كنت أخفيها عن البشر , وأحفظها بين ثقوب الصخر .
محاكاة البحر الذي يتحول أمامي إلى شاشة عرض كبيرة أرى فيها أوراق الماضي تداعب الحاضر وتستلهم حنايا المستقبل .
كنت أرى فتاة أحلامي تبتسم من خلال صفحة الماء وتودعني على أمل اللقاء في الغد .
وتنحدر الشمس رويداً رويداً نحو المغيب , وهي تجر ذيلها من الشفق الأحمر , وتغيب بعيداً وراء خط الأفق
كنت أقف على أطراف أصابعي لإطالة قامتي ربما أمسك أخر شعاع من أشعة الشمس قبل الرحيل
وتهبط دولة الليل في معطفها الأسود لتطوي يوماً من أيام الله في كف الزمن .