الدكتور عادل عامر
تواصل الحكومة التزامها بتنفيذ خارطة ضبط أوضاع المالية العامة باعتبارها إحدى ركائز الإصلاح الاقتصادي. ويتمثل الهدف من وراء ذلك في وضع المالية العامة على مسار مستدام من خلال خفض عجز الموازنة العامة، ووضع الدين العام على مسار التراجع والانخفاض، وتحرير الموارد من أجل تعزيز عجلة النمو وتحقيق الإنفاق الإنتاجي، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
وأدت الإصلاحات المهمة للمالية العامة على صعيد النفقات والإيرادات إلى تحسينات ملموسة في حساب المالية العامة على الرغم من زيادة دعم الطاقة بسبب انخفاض قيمة الجنية بقدر أكبر مما هو متوقع وزيادة أسعار النفط العالمية. وتقلص العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة ليصل إلى 10.9% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2016/2017 مقارنة بما بلغ 12.5% منذ سنة سابقة بسبب زيادة الإيرادات الضريبية من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة في سبتمبر 2016،
والجهود اللازمة لاحتواء الإنفاق. ونتيجة للإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومة لزيادة الإيرادات، زادت ضريبة دخل الشركات غير السيادية وضريبة المبيعات/القيمة المضافة من 5.4% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2014/2015 إلى حوالي 6.7% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2016/2017. وحتى يتسنى احتواء النفقات، قامت الحكومة، على نحو صارم، بضبط فاتورة الأجور وبعض بنود النفقات الجارية بخلاف بنود الإنفاق الاجتماعي، مع زيادة مخصصات الإنفاق الاجتماعي، وتحسين الخدمات الحكومية، والنفقات الرأسمالية. وتراجعت فاتورة الأجور بنسبة 1.5% من إجمالي الناتج المحلي بفضل إلغاء ربط المكافآت والبدلات في قانون الموازنة، والتحكم الصارم في عملية التعيين، وتحديث إطار التوظيف في الهيئات الحكومية والقطاع العام وفق قانون الخدمة المدنية الجديد الذي قام مجلس النواب (البرلمان) بتمريره في أغسطس 2016.
وتم استكمال هذه الخطوات بالتقدم المحرز على صعيد ميكنة (أتمتة) الأجور والمرتبات لجميع موظفي الحكومة حيث يجري الآن إعداد أكثر من 70% من فاتورة الأجور بصورة آلية. وعلاوة على ذلك، تم تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء لتطوير الإصلاحات الإدارية، لا سيما من خلال برامج إعادة الهيكلة، والميكنة (الأتمتة)، وبناء القدرات. ونتيجة لذلك،
من المتوقع أن تتراجع نسبة فاتورة الأجور والرواتب على مستوى الحكومة المركزية إلى إجمالي الناتج المحلي الاسمي من 8.2% في السنة المالية 2014/2015 إلى ما لا يزيد على 5.6% في السنة المالية 2017/2018، وهو ما يتجاوز، بصورة كبيرة، المستهدف البالغ 7.4% الذي تم تحديده في إطار سلسلة قروض تمويل سياسات التنمية. وبعد الزيادة التي طرأت على أسعار المواد البترولية وتعرفة الكهرباء في نوفمبر 2016، زادت أسعار الوقود مرة أخرى في يوليو 2017 بمتوسط بلغ 55% بالنسبة لمختلف المنتجات البترولية، في حين زادت أسعار الكهرباء بمتوسط بلغ 40%. ومع الاستمرار في إصلاحات المالية العامة، ويشمل ذلك المزيد من إصلاحات دعم الطاقة، سيتحقق وفر أولي في الموازنة بواقع 2% من إجمالي الناتج المحلي في 2019. وستعمل هذه الوفورات في المالية العامة (الموازنة) على تحسين هيكل الإنفاق من خلال التحول التدريجي من النفقات الجارية إلى الإنفاق الرأسمالي وزيادة الإنفاق على تدابير وإجراءات الحماية الاجتماعية.
وتواصل الحكومة أيضًا جهودها الرامية إلى تعزيز الإدارة المالية العامة وشفافية المالية العامة. وتحقيقًا لهذه الغاية، انتهت الحكومة من إعداد بيان شامل عن مخاطر المالية العامة في أبريل 2017، وشكلت لجنة برئاسة وزير المالية تختص بوضع معايير وتحديد إجراءات إصدار الضمانات، ويشمل ذلك مشاركة وزارة المالية في المرحلة الأولى من هذه العملية، ومراجعة طلبات الحصول على ضمانات جديدة، وتقييم المخاطر المرتبطة بذلك، والبت في طلبات الحصول على ضمانات. وفي إطار الجهود الرامية إلى تعزيز شفافية المالية العامة، تضمن بيان موازنة 2017/2018 الذي تم نشره لأول مرة فقرة حول مخاطر تنفيذ الموازنة.
وبالإضافة إلى إنشاء وحدة لتحسين الإدارة المالية العامة في 2016 لتوحيد جهود إصلاح المالية العامة التي كانت مشتتة، قامت وزارة المالية بإنشاء وحدة المراجعة الداخلية التي من المتوقع أن تكون بمثابة نموذج للوزارات التنفيذية الأخرى.
ونتيجة لهذه الإجراءات والتدابير، نتوقع استكمال 4 أعمال مراجعة على الأقل للقطاعات والهيئات التابعة لوزارة المالية في السنة المالية 2017/2018.
19. وقد تحمّل القطاع المصرفي عملية التحول نحو نظام مرن لسعر الصرف ولا يزال يحتفظ بمرونته. وعلى خلفية زيادة سيولة النقد الأجنبي، انتقل صافي مركز الأصول الخارجية لهذا القطاع إلى منطقة إيجابية في مايو 2017.وكان لخفض العملة أثر معتدل على جودة الأصول والربحية والسيولة. واعتبارا من شهر مارس 2017، بلغ متوسط معدل كفاية رأس المال 14.9%، وهو أعلى كثيرا من الحد الأدنى الذي حددته لجنة بازل والبنك المركزي المصري. وبلغت نسبة القروض المتعثرة من إجمالي القروض 5.7%، وبلغت نسبة تغطية مخصصات خسائر القروض 92%. وما زال النظام المصرفي يتمتع بالسيولة، فنسبة القروض إلى الودائع تبلغ 47%.
2-2 آفاق الاقتصاد الكلي واستمرارية القدرة على تحمل أعباء الديون
20. على خلفية أحدث تدابير الإصلاح، ولا سيما تحرير سعر الصرف والضبط المالي، فمن المتوقع أن تتقلص اختلالات الاقتصاد الكلي في مصر. وستؤدي الإصلاحات الجارية في بيئة الأعمال إلى تحسين استجابة القطاع الخاص على جانب العرض من أجل القضاء على نقص النقد الأجنبي وتصحيح سعر الصرف المبالغ في تقييمه. وصدرت تشريعات حيوية، منها قانون الاستثمار الذي طال انتظاره وقانون التراخيص الصناعية اللذان يهدفان إلى تعزيز مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات وتعزيز النمو على المدى المتوسط. ويتوقع أن يكون مسار النمو تدريجيا حيث من المفترض ارتفاع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 4.5% في السنة المالية 2018/2017 من 4.2% في السنة المالية 2017/2016، مدفوعا في ذلك بالاستهلاك الخاص بدعم من زيادة التحويلات والاستثمار الخاص وصافي الصادرات. ومع مضي الإصلاحات الاقتصادية قدما وتعافي القطاعات الرئيسية، وخاصة الصناعات التحويلية والنفط والغاز والصناعات الاستخراجية، بما في ذلك اكتشافات الغاز الجديدة، فمن المتوقع أن يرتفع معدل النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي إلى 4.7% في السنة المالية 2019/2018، وأن يواصل ارتفاعه إلى 5.8% في السنة المالية 2019/2018.
ومن المتوقع أن تظل الضغوط التضخمية مرتفعة وإن كانت لفترة مؤقتة، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أسعار الوقود وتعديل تعرفة الكهرباء. فقد زادت الضغوط التضخمية بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الهيدروكربونية والكهرباء وزيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة 1 نقطة مئوية لتصل إلى 14%،
وكل هذه الزيادات أصبحت سارية المفعول في بداية السنة المالية 2018/2017. ومع ذلك، ومع التشديد النقدي مؤخرا، والتخفيف التدريجي للآثار غير المتكررة للتدابير الإصلاحية وآثار الأساس المواتية، فمن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم العام إلى 14% بنهاية السنة المالية 2018/2017. وبعد انقضاء السنة المالية الحالية، يهدف البنك المركزي إلى خفض معدل التضخم إلى أقل من 10%، مما قد يشكل تحديا حيث إن آلية أسعار الفائدة تعوقها الاختناقات في جانب العرض وانخفاض مستوى الشمول المالي (تعميم الخدمات المالية).
ومع استمرار الإصلاحات المالية، بما في ذلك التدابير التي تدعمها هذه العملية، من المتوقع أن تبدأ الموازنة في تسجيل فائض أولي مستدام يصل إلى حوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2019. ومن المتوقع أن ينخفض العجز الإجمالي في الموازنة إلى 8.8% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2018/2017 مدفوعا بزيادة الإيرادات واستمرار ترشيد المصروفات. فمن المتوقع أن يرتفع إجمالي الإيرادات 0.6 نقطة مئوية إلى 18.8% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2018/2017،
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير ضريبة القيمة المضافة لمدة عام كامل والزيادة في معدل ضريبة القيمة المضافة بمقدار 1 نقطة مئوية إلى 14% اعتبارا من شهر يوليو 2017. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي المصروفات سينخفض بنسبة 1.2 نقطة مئوية إلى 27.6% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2018/2017 نظرا لوجود مصروفات متكررة في التعديلات التراكمية في أسعار الطاقة وتقييد فاتورة الأجور. ومن المتوقع أن تزداد مدفوعات خدمة الدين مؤقتا بسبب ارتفاع مدفوعات الفائدة على الدين بالعملة المحلية والأجنبية. ومن شأن الوفورات المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار منتجات الطاقة واحتواء فاتورة الأجور أن تحسّن من هيكل الإنفاق من خلال السماح بزيادة الإنفاق على تدابير الحماية الاجتماعية والانتقال التدريجي من المصروفات الجارية إلى زيادة الإنفاق الرأسمالي.