استعدوا لله ……ومن الله استمدوا
د.هالة الجبالي
يا ربّ .. مِثلي يَهفو ويَجمح، ومِثلك يَعفو ويَصفح ..
أنتَ المولى وأنا العبد ..
أنت الأوّل والآخر، وأنتَ المأمول وأنا الآمَـل ..
وما (لي) لكَ!
أنا خارجٌ منّي إليك..
إنّي أحبّك.. وإليك.. إليك عندك.. كلّي إليك..
قابضٌ على شوقي، والدّرب موصولٌ إليك!
ياربّ..
إذا جئتكَ؛ ماذا ستُخبر عنيَ الصّحف ؟!
قال التلميذ:
ما يتنفّس هذه الآهات إلا مُحِب!
قال الشيخ:
عباد جرّدوا البواطِن مِن الشّواغل، فما ترى القلب إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..
العارفون شاخصة أعينهم إلى منزلةِ: *{إن له عندنا لزلفى}!*
مَضوا في السّباق، وعلَوا بحسناتهم السّبع الطباق..
والفواتح؛ عناوين الخواتم..
ثبّتوا القواعد، وشدّوا المعاقد، وأذّنوا: حي على الفَـلاح.. لا قاطع يقطعهم، ولا حائِل يَمنعهم!
استعدّوا لله، ومِن اللهِ استمدّوا..
وإنّما الجنّة للذين تشبّثوا بالأعالي ولم يَسقطوا..
للذين تشاركوا جَدب السّنين ولم يَهِنوا..
للذين انتعلوا المشقّة وما تراجعوا، للأكتاف المُجهَدة والأقدام الدّامية!
وإن الدّنيا دار صِدق؛ لِمن صَدقها..
ودار عافية؛ لمن فَهِمَها..
ودار غِنى؛ لمن تزوّد منها!
مَتجر أولياء الله؛ نالوا فيها الرّحمة، وكسبوا فيها الجنة..
ومَن بذل المجهود؛ أتته المقامات من ذي الجود..
ولا ينال الأنفس؛ إلا بشقّ الأنفس!
عبادٌ إذا صمتوا؛ لم يسبقوا..
وإذا نَطقوا؛ سبقوا..
وإنّما تتفاضل الأعمال؛ بالإخلاص..
والمسافات بين قلبٍ وقلب؛ هي المقامات!
في الجنة ؛ نروم الوُصول إلى الواصلين..
تنفلت الدّهشة مثل خيال شهيّ..
يلاحقه لهاثُ الانبهار، فلا يُدركه..
يتّسع ما لا يتّسع.. الأسرار تفيض..
و التّسبيح لا يَفنى!
تطوى لهم المنازل .. طيّاً بعد طـيٍّ؛ لعبدٍ لم يُبق لغير الله بقية..
لا نأي.. بل كانت *{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ ربّي لِتَرْضَى}* ؛ بوابة الرؤيا !
قلوبٌ ؛ لم يكن في طريقها فواصل ولا نقاط ..
كان جَريَـاً بلا انتهاء ..
ذاك عبدٌ جَاءَ لله كاملاً ؛ ما تركَ للشيطان منه شيئاً ..
ولم تكن أيامه أكثر من زمن انتظار!
فَقُل: يا ربّ.. بلّغنا أن نُريد ما تريد..
ورضوانٌ من الله أكبر..
يا بنيّ.. تلك نفوس سبَقت في تقدّمها رغم تأخُّـر قدمها!
قال التلميذ:
هل الطريق إلى السّبق هيّـن؟
قال الشيخ:
إذا قتَحَم؛ ثم أسلمَ وما استَسلم..
وأول السّير عند الحازم؛ قَصد عازِم!
يا بنــيّ..
الطريق أعمال في أولها، ثمّ أحوال في أوسطها، ثمّ مقامات في نهاياتها..
وبين آخر المقامات وذروة سنامها، كما بين فاضِل الأعمال وَمفضولها، وما بينهما هو درجات الجنة!
تعال أدلّك.. يا بنــيّ:
المقامات ثمار النيّات..
ومن صدَقته سريرته؛ انفتحتْ بصيرته..
ومن علَت في الله همّته؛ صحّت إلى الله هجرته..
فأقبِل بقلبك.. ومَن أقبل على الله في بدايته؛ أقبلَ الله عليه في نهايته!
ثمّ عليك بالتّقوى..
فإن سَبيل المقامات؛ التّقوى..
وأبعَدُ الناس مَرقى في الجَبل؛ أشدّهم حَـذراً.. فاحذَر ذنبك..
و في الجنة يُستدل على تباين المقامات بالصالحات!
يا بنــيّ..
الأعمال كَسبيّة، والمقامات وهبِية..
والله يختارُ ولا يُختار عليه..
و ما ترى بعد الإختيار إلا خيار يتلوه خَيار!
ومابعد الإختيار إلا التسخير … أمَـا سَمِعَت: أطعِني في كل شيء؛ يُطعك كل شيء!
ومَن كان مع الذنوب لا مساس، ولم يركن إلى الناس؛ فُتح له باب الإيناس..
و مَن ذكر الله وأكثَر؛ فتحَ عليه بما لا يُحصر!
ثمّ وافقِ الله في الأمر والنّهي..
فإنّ قُـربك منه بملازمة الموافقات..
وقُربه منك بِدوام التوفيق لك!
والموفّق.. مَن اشتغل بما هو فيه، وليس بماضيه وآتيه..
وحُسن الحال؛ يؤول إلى حُسن المآل..
فلا تُسقِط همّتك بِمعوَل هَـمّك!
قال تلميذ:
اللَّـهُمَّ إنّا ضُعفاء فاعفُ عنّـا!
قال الشيخ :
تخلّص بالإستغفار، وبدّل السيئات بالحسنات.. فذاك التّكفير وهذا التّكثير.. والعبد بين تَدارك فائِتها وتعميرِ باقيها!
يا بنــيّ..
شَمّـر للتّخلص من رِقّها قبل أن يأتيك البلاء لتمحصها!
يا بنــيّ..
أهل الصّدق قليلٌ في أهل الصلاح..
كل التفاعلات: