متابعة :لسعد الحرزي مدير مكتب تونس
لقد تبين أن وضعية الاستلقاءعلى الظهر وقت الولادة (position gynécologique ) لا تساعد على الطلق أثناء الوضع و تجعل وزن الطفل يتوزع بشكل أفقي و يعرقل عملية التنفس للأم مما يضع كل العبء على قوة دفع الأم ” الدزان و التقنزيح ” و هذا ما يجعل عليها ضغطا بدنيا و نفسيا مضاعفا.
و قد اعتمدت هذه الطريقة (وضعية الولادة بالاستلقاء على الظهر) في أواخر القرن السابع عشر لدواع طبية محددة ألا وهي حالات الولادات العسيرة حيث يقع اللجوء إلى استعمال الملقط (forceps) أو استعمال المشفط ( ventouse) للتعجيل بالولادة و لكن شيئا فشيئا وقع انتشار هذه الوضعية الجديدة للولادة و السبب الرئيسي في ذلك أن الطبيب أو القابلة يجدون راحة أكثر عند قيامهم بعملية التوليد في هذه الوضعية نعم هذا و لا غير!
و تبعا لهذا كله فإن وضعية الاستلقاء على طاولة الولادة لا مبرر لها و هي ضد الطبيعة و الفطرة البشرية و ذلك بالإضافة إلى أنها تعرقل السير الطبيعي للولادة حيث أن هذه الوضعية تساهم في الضغط على شرايين أو أوردة الحوض وبالتالي تقلل من مستوى وصول الأكسوجين للجنين كما أنها تساهم في تمزيق العجان لذلك يكاد يكون آليا قص العجان(الغرز) عند الولادة و ما يترتب عن ذلك من مخلفات جسدية و نفسية و جنسية على حياة المرأة و صحتها .
و مما يزيد من معاناة المرأة و “عذابها ” هو اللجوء المفرط لمعجلات الولادة ( L’ocytocine ) و يكون ذلك في غالب الحالات بصفة آلية مما قد يتسبب في إرهاق الأم و في تعب للجنين من ناحية قلة وصول الاكسجين له و انخفاض دقات قلبه مما يستوجب من الفريق العامل التعجيل بالولادة و استعمال الملقط أو المشفط و الضغط على بطن الأم و في حالات كثيرة اللجوء إلى العملية القيصرية و هذا ما نشاهده يوميا في مستشفياتنا و هذا فيه تعد صارخ على الحرمة الجسدية والنفسية للمرأة الحامل و انتهاك لحقوقها.
و بالإضافة إلى هذه الوضعية “المهينة” و التي تكون فيها غالب الأحيان المرأة عارية النصف السفلي و من دون غطاء يسترها و هذا في حد ذاته انتهاك لحرمتها و لكرامتها و لحيائها ! فلماذا نقبل على غيرنا ما لا نقبله على أنفسنا ؟
حقيقة لقد أصبحت تجربة الولادة في بلادنا تمثل كابوسا مرعبا و تجربة مريرة مقترنة بعبارات “عذبوني”، “أهانوني”، “ضربوني” و هذا هو لسان حال كل النساء خاصة و أنهن يجبرن على هذه الوضعية لمدة ساعات و يحتم عليهن أن يكن مفعولا بهن و ما عليهن إلا السمع و الطاعة و غالبا يكون هذا بتعلة انقاذ حياة المولود!
و لهذا أصبح لزاما علينا فتح هذا الملف” المسكوت ” عنه في بلادنا و لا بد من تطوير غرف الولادة في مستشفياتنا و أن نسعى إلى أنسنة الخدمات و من ذلك إعادة النظر في وضعيات الولادة و توفير كراسي مخصصة أو طاولات ولادة متطورة بحيث يمكن تحويلها إلى ما يشبه كرسي الولادة و ذلك من خلال رفع ظهر السرير أو الطاولة وانزال مكان القدمين و للمرأة أن تطلب من القابلة أن تولدها بهذه الوضعية أو أن تستعمل مباشرة كرسي الولادة إن وجد.
و قد جاءت توصيات منظمة الصحة العالمية حاسمة في هذا الخصوص إذ دعت إلى تجنب التدخلات الطبية الغير ضرورية أثناء الولادة و ذلك من أجل تجربة إيجابية تراعى فيها خيارت المرأة الحامل و دعت إلى أهمية الحركة و اختيار الوضعية العمودية للولادة أثناء المخاض و الولادة .
و أصبح من الضرورة أن تكون المرأة الحامل مشاركا فعليا في حدث يخصها هي بالأساس و أن تستشار و تحترم خياراتها و تفضيلاتها و يقع اعلامها بكل البيانات و تفسير كل شيء يتعلق بصحتها و صحة مولودها و لا بد من احترام كرامتها و حياءها و تقديم المعلومات اللازمة لها و بالخصوص ترك حرية وضعية الولادة التي ترتاح لها و من ذلك نذكر وضعية القرفصاء والجلوس العمودي و الركوع والاستلقاء نحو الأمام و غيرها من الوضعيات وهذا يساهم في تسهيل عملية الولادة لان الجاذبية الارضية تساعد في جذب المولود الجديد للأسفل و بالتالي تسهل مراحل عملية الولادة على الأم و على طفلها معا و يجب أيضا أن لا نغفل عن احترام خصوصية المراة الحامل وأن نبذ التمييز ضدها.