عادل عامر
قبل الخوض في الانقلاب كحدث، و استقراء توابعه علي الأصعدة المختلفة، يجب الوقوف أمام محطات زمنية هامة و التي مهدت بشكل كبير لما شهدته تركيا ليلة الجمعة الموافق الخامس عشر من يوليو الماضي.كانت تشير تلك المحطات بوجود حراك ما على الساحة التركية، بلغ ذروته مع بدء تحرك الوحدات العسكرية المتمردة ليل الجمعة
ـ تعطيل أردوغان تشكيل حكومة ائتلافية بعد فشله في تحقيق الغالبية لحزب ” العدالة و التنمية” منتصف العام الماضي، ودعوته إلى انتخابات مبكرة في نوفمبر من العام ذاته، انتهت باستعادة “حزب العدالة والتنمية” السيطرة على الحكم و لكن النتائج لم تمنح أردوغان الغالبية الضرورية لتعديل دستوري يريد من خلاله فرض النظام الرئاسي.
ـ التغيير الملحوظ في سياسة تركيا الخارجية التي ظهرت عبر ثلاثة مواقف
الأول : اعتذار تركيا الرسمي لروسيا علي إسقاط الأولي لقاذفة “سوخوي 24” في نوفمبر من العام الماضي، بعدما أصر أردوغان شخصياً علي عدم تقديمه لأية اعتذارات إلي روسيا حيال ما حدث.
الثاني: اتفاق التطبيع بين تركيا وإسرائيل دون رفع الحصار عن غزة بعد قطيعة دامت 6 أعوام، أعلنت تركيا تفاصيل توصلت إليه مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما.
و تضمن اتفاق التطبيع عدم رفع تركيا دعاوى ضد مسئولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية مقتل 9 أتراك في الهجوم الإسرائيلي على السفينة الإغاثة التركية آفي مرمره في 31 مايو عام 2010 علي أن إسرائيل ستدفع نحو 20 مليون دولار تعويضات لضحايا “سفينة مرمره” التركية، كما اتفق الجانبان على دخول قافلة مساعدات تركية إلى قطاع غزة الجمعة المقبلة، بحمولة 10 آلاف طن.
“تلتزم تركيا بألا تعمل حماس ضد دولة إسرائيل من أراضيها”، بالإضافة إلى أن تعود “الدولتان للتعاون الأمني والاستخباري”.
من بنود مسودة الاتفاق أيضا : “تركيا تتنازل عن بند رفع الحصار عن قطاع غزة مقابل السماح لتركيا بإرسال معدات ومساعدات إنسانية عن طريق ميناء أسدود بعد الخضوع للفحص الأمني الإسرائيلي ويبدأ الاتفاق ببند: “تركيا وإسرائيل تعودان لعلاقات طبيعية بما فيها إعادة السفراء، زيارات ودية، وعدم عمل أي طرف ضد الآخر في المؤسسات الدولية”.
ويختتم ببند: “إسرائيل وتركيا تبدآن مفاوضات لمد خط غاز من آبار الغاز في إسرائيل، وتركيا مهتمة بشراء غاز إسرائيلي وبيعه في أوروبا. جاء التطبيع التركي الإسرائيلي متزامناً مع انتهاج الخارجية التركية انعطافة تجاه سوريا، عكست رغبة تركيا في ترميم علاقاتها المنهارة كما عادت العلاقات المصرية التركية إلي التوتر و التلاسن بعد تصريحات أردوغان الأخيرة عقب نجاته من الانقلاب و التي ناهض فيها النظام المصري، كما عرقلت مصر في الأمم المتحدة إدانة الانقلاب الأخير.
وقد تضافرت عدة عوامل مهمة وحاسمة لضمان هذا الإفشال، وأهمها:
– محدودية المحاولة الانقلابية من عدة زوايا، فعلى المستوى الجغرافي لم تكد تتخطى مدينتي أنقرة وإسطنبول، وعلى مستوى المشاركة كانت قطاعات قليلة من الجيش هي من نزل الميدان، وعلى مستوى التنفيذ بقي الرئيس والوزراء في الحكومة أحرارا (تحدث أردوغان عن محاولة فاشلة لاغتياله)، وعلى مستوى الفاعلية كانت القوات المشاركة أضعف وأقل عددا من أن تسيطر على الميادين ومختلف مؤسسات الدولة، وعلى مستوى السيطرة اللوجستية فقد عجز الانقلابيون عن إسكات صوت الإعلام الخاص الذي تحول لمتنفس لأردوغان وحكومته، واكتفوا بسيطرة مؤقتة على قناة التلفزة الرسمية فقدوها سريعا.
– التأثير الحاسم لظهور الرئيس أردوغان سريعا على إحدى القنوات الخاصة بما أعطى إيحاء واضحا على عدم حسم الموقف الميداني، كما كان ثباته ورباطة جأشه وتوجيهه للجماهير عاملا ملهما لزيادة عدد المواطنين الذين نزلوا للشوارع وواجهوا مجموعات الجيش، ثم كان ظهوره في مطار إسطنبول إيذانا بكسر حدة الهجمة والسيطرة النسبية على الأوضاع.
– حشود المواطنين الكبيرة في مختلف ميادين أنقرة وإسطنبول ودفاعهم عن مؤسسات الدولة المختلفة، خصوصا بلدية إسطنبول الكبرى ومطار أتاتورك ومبنى الأمن العام وجسري البوسفور والسلطان محمد الفاتح في إسطنبول، حيث أعطى هذا الزخم الجماهيري صورة واضحة عن افتقاد التحرك للحاضنة الشعبية كما ساهم في كبح جماح القمع الذي كان يمكن أن تمارسه القوات في الميدان وحدَّ من هامش الفعل لديها.
– وسائل الإعلام التركية، سيما الخاصة، التي كانت نافذة لظهور الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدرم وعدد كبير من القيادات السياسية والعسكرية رفضا للانقلاب ودعوة لمواجهته، وقد كان تواصل أردوغان هاتفيا مع قناة CNN TURK (المعارضة له والواسعة الانتشار والمتابعة) عاملا حاسما في تعديل دفة الأحداث.
– الموقف الموحد لمختلف الأحزاب السياسية التركية ومنذ الدقائق الأولى للانقلاب في رفضه وتأكيد دعمها للمؤسسات والشخصيات المنتخبة، وهو ما حرم الحركة الانقلابية من ذريعة حمايتها للديمقراطية والحياة السياسية في البلاد.
– أخيرا -وهو الأهم- الموقف الحاسم الذي اتخذته أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات والقوات الخاصة في مواجهة المجموعات الانقلابية في ظل الغياب الميداني لمختلف قطاعات الجيش، فضلا عن الدور الحاسم والمتوقع لجهاز الاستخبارات تحديدا في سياقيْ المعلومة والمواجهة الميدانية.
وأخيرا نقول :-
إن محاولة الانقلاب الفاشلة ألزمت تركيا إلي الارتداد إلي الداخل، و حسم العديد من التناقضات و الأمور الخاصة بالعلاقات المدنية العسكرية و سيطرة كلامهما علي المؤسسات بما يخص العلاقة مع حماس، فقد تحافظ تركيا على دعمها المعنوي للقضية الفلسطينية، لكن دون أن يثير ذلك حساسية إسرائيل، خاصة بعد توقيع المصالحة، والتي تضمنت التزام إسرائيل بدفع 21 مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا السفينة مرمرة، وتخفيف الحصار عن غزة وليس كسره أو رفعه تماماً مقابل السماح لأنقرة باستكمال مشروعات بنية تحتية في قطاع غزة – محطة لمعالجة المياه ومحطة لتوليد الكهرباء وبناء مستشفى-.
أن دور وموقع تركيا المحوري بين أوروبا وروسيا وكونها منطقة عازلة بين أوروبا وبلدان الشرق الأوسط الملتهب ، كذلك كون تركيا هي ممر لأنابيب بترول دول بحر قزوين وكذلك كونها ارض أنابيب الغاز المستقبلية الروسية إلى أوروبا وكونها تمتلك احد اكبر الجيوش في العالم مما يوصل إلى نتيجة إن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها بسهولة وان نتيجة المعركة القادمة سيكون لها انعكاسات عالمية .
التطورات الإقليمية وحالة السيولة السياسية في المنطقة، ودخول روسيا على خط الأزمة السورية، قد تدفع أنقرة للحفاظ على وتوثيق علاقاتها مع محيطها الإقليمي. فبعد الشروع في تطبيع العلاقة مع روسيا، وإنهاء الخلاف مع إسرائيل، وقبل ذلك وقف تدهور العلاقة مع إيران التي رغم اتساع البون بينهما سياسيا، فثمة ما يجمعهما في الملف السوري، أهمها منع تأسيس دولة كردية.
في هذا السياق العام تبدو السياسة الخارجية التركية مرشحة للتغير، وبخاصة ما يتعلق بالأزمة في سوريا فضلا عن إعادة قراءة طبيعة العلاقة المصلحية والتاريخية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، بعد خذلانهما أنقرة، والذي ظهر في دعم الأولي لأكراد سوريا، واعتراف ألمانيا بالإبادة الأرمينية وتمرير البرلمان الفرنسي مقترح قانون يعاقب من ينكر هذه الإبادة. في المقابل تسعى أنقرة إلى توظيف تصالحها مع موسكو وتل أبيب لاستعادة التبادل التجاري المميز مع البلدين وضخ النشاط في قطاع السياحة فضلا عن إدراك أنقرة أهمية التعاون مع موسكو لحل الأزمة في سوريا والتلاقي مع إسرائيل لترميم العلاقة مع واشنطن.