لم تكن الحارة هادئة في ذاك المكان القصي قليلا عن القرية ، خراف خمسة تمرح أمام المنزل الذي مازال شابا ، بينما سنابل القمح ترتدي ثوبها الأخضر قبل حضور تموز …
سهرة طويلة تمضي على هونها ، أبو أيمن ، زوجته ، وابنه الصغير الذي مازال في عامه الثاني …
رجل أشقر ، عيناه زرقاوان ، طويل القامة ، ابتسامته حاضرة أينما حل ، مما جعل منه محبوبا لدى النساء ، كانت لطيفة زوجته ( الثالثة ) ، امرأة سمراء ، ممتلئة الجسد ، قوية الشخصية ، ذات يوم انتزعته من زوجته الثانية عنوة …
_ أين الأولاد ، هل هم هنا …
_ نعم إنهم في الغرفة المجاورة … ألا تسمع صراخهم …
احتسى شيئا من كأس الشاي ، تقلب في جلسته ، مسح شعر ابنه الذي بدأ يبحث عن النوم ، ثم عاود حديثه مع زوجته السمراء …
ملامحه لم تكن توحي بالارتياح ، ثمة أمر ما يدور في رأسه ، لكنه آثر الصمت …
_ وكأني أراك على غير العادة …
_ لاشيء … لا شيء … فقط أفكر بمستقبل الأولاد …
ضحكت المرأة بصوت مرتفع حتى بدت أسنانها عبر نور ( اللمبة الحمراء ) ، اقتربت منه أكثر ، لكنه رفع يدها عن رأسه …
في الغرفة الأخرى كان الأولاد الثلاثة يلعبون الورق ، صراخهم يعلو تارة وينخفض أخرى ، قذف كبيرهم بالورق جانبا وأشعل سيجارة ( كاملة ) …
_ هل تعرف ماذا وضعت أمك بالحقيبة اليوم …
_ نعم لقد شاهدتها …
_ ماذا … ماذا … تحدث …
_ شاهدتها تضع رزمة من المال ، وقطع من الذهب لم أعرف عددها …
_ هاااا … إنها كمية كبيرة إذن …
_ ما رأيكم فى ( ……… ) … قال الأوسط …
_ لكنهم أهلك يا بني آدم …
خيم السكون على الجميع ، كانت الرياح تضرب أغصان الأشجار في الخارج ، ثغاء الخراف يصل إلى أسماعهم .
قبل ولوج الفجر كان أبو أيمن يغط في نوم عميق ، يلفه ذراع لطيفة ، الثياب ابتعدت عن جسديهما في زاوية معتمة ، أما الصغير فكان يداعب حليبه الاصطناعي …
فتح أحد ما الباب الحديدي ، طارت الحقيبة من مكانها للحظات ، ما لبثت أن عادت إلى ظهر الخزانة الخشبية ، لكنها كانت خفيفة الوزن …
_ هات علبة البنزين …
_ ماذا ستفعل بها …
_ قلت هاتها واصمت …
أوصد الباب بالمفتاح من الخارج ، ورمى به في حقل القمح القريب .
النيران بدأت تعلن حضورها رويدا رويدا ، هب أبو أيمن مذعورا ، صرخ على زوجته واتجه إلى الباب …
_ أين المفتاح … أين المفتاح …
_ على طرف الطاولة …
_ ليس هنا … النار ستأكلنا جميعا …
ارتفعت ألسنة اللهب ، الدخان يحجب الرؤيا ، والتنفس ، احتضنت لطيفة ابنها ، وزوجها الذي كان يطرق الباب بكل قواه ، جاء الفجر مسرعا ، ومعه كان الجيران هناك أيضا …
عندما كسر أحدهم الباب ، صرخ الابن الأكبر …
_ من فعل هذا … قلت لأبي ألا يترك أزرار الكهرباء …
اجتمعت الخراف بسرعة ، قال أكبرهم : ( علينا أن نغادر فورا ) ..