اختص سبحانه وتعالى لأمة سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بفرض الصيام في شهر رمضان تحديداً؛ حيث إنّه لم يكن محدّداً بزمن مُعيّن قبل ذلك، فالتقت هذه الأمة مع الأمم السابقة في أصل مشروعية الصوم، واختلفت في تحديد الصيام بشهر واحد وهو شهر رمضان المبارك، وكان ذلك في شعبان من السنة الثانية للهجرة؛ حيثُ فرض الصيام للمرّة الأولى وكان تخييراً، أي إنّ من شاء صام ومن شاء افتدى؛ بمعنى أطعم عن كل يومٍ لم يصمه مسكيناً، ثمّ بعد ذلك فرض الصيام عيناً أي إنّه لا بُدّ للإنسان أن يصوم.
صَومُ رمضان واجبٌ على كلِ من توفّرت فيه الشروط بالكتاب، والسنة، والإجماع، ودليل ذلك من القرآنِ الكريم قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وأمّا من السنة فيُستدلُ بما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إلهَ إلاّ اللهَ وأنّ محمداً رسولُ الله، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، وصيامُ رمضان، وحجُ البيتِ) وقد أجمعت الأمةُ على وجوبِ الصيامِ.وقد كان الصيام في الأمم التي قبلنا ولكن على نحوٍ وعلى طريقةٍ تختلف عن صيامنا نحن معشر المسلمين .
فنحن نعلم كما جاءنا في القرآن الكريم أنَّ مريم عليها السلام كانت صائمة قائمة ونذرت للرحمن صوماً جعلها لا تُكلِّم الناس أبداً ، لأنَّ في صيامهم كان الإمتناع عن الكلام ونعلم أيضاً أنّ سيدنا داؤود عليه السلام كان يصوم ، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صيام داود وقال عنه بأنه أفضل الصيام ، فقد كان داود عليه السلام يصوم يوماً ويُفطر يوماً.
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال,فالصيام ما ذكره الله في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة، فبيّن سبحانه وتعالى أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى ميزة عظيمة وهي جماع الخير، فالصيام يجلب التقوى للعبد لأنه إذا صام فإنه يتربّى على العبادة ويتروّض على المشقة وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات، وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان، وبهذا تحصل له التقوى، وهي تنفيذا لأوامر الله عز وجل وترك نواهيه طلبا لثوابه وخوفا من عقابه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فريضة الصيام، إن الله يغفر للعبد ذنوبه، بدليل الحديث: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، البخاري.