إعداد/ محمد مامون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الاستجابة)
يذكر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي – قدس الله سره – في قول الحق – تعالى -:﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله وأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ٤١] وهو التوحيد الثالث عشر في مواضع القرآن، وهو توحيد الاستجابة، وهو توحيد الهو، وهو توحيد غريب، فإن قوله: ﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا﴾ يعني المدعين ﴿ لَكُمْ﴾ يعني الداعين ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله﴾ فالضمير في فاعلموا يعود على الداعين، وهم عالمون بأنه إنما أنزل بعلم الله، ولو أراد المدعين لقال: فيعلموا بالياء كما قال: يستجيبوا بياء الغيبة، ثم قال: ﴿وأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي واعلموا أنه لا إله إلا هو كما علمتم، أنه إنما أنزل بعلم الله، ثم قال:﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ وقد كانوا مسلمين، وهذا كله خطاب الداعين إن كانت هل على بابها، وإن كانت هنا مثل ما هي في قوله: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ﴾ [الإنسان: ١] اعتمادا على قرينة الحال فأخرجت عن الاستفهام، وإلا فما هذا خطاب الداعين، إلا أن يكون مثل قولهم: “إياك أعني فاسمعي يا جارة” فالخطاب لزيد والمراد به عمرو، كما في قوله – تعالى -:﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٥٦] و ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٤٩] فعلمنا بقرائن الأحوال أنه المخاطب – صلى الله عليه وسلم – والمراد به غيره وهم أمته، لا هو. وحكمة ذلك مقابلة الإعراض بالإعراض، لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الداعين، فأعرض الله عنهم بالخطاب، والمراد به هم فأسمعهم في خطاب غيرهم، وأما فائدة العلم في ذلك فهي إن تقول لما علم الله أن قوما لا يؤمنون ارتفعت الفائدة في خطابهم، وكان خطابهم عبثا، فأخبرهم الله – تعالى – أن نزول الخطاب بالدعوة لمن ليس يقبله في علم الله،أنه إنما أنزل بعلم الله أي سبق في علم الله إنزاله فلابد من إنزاله، لأن تبدل المعلوم محال كما قال :﴿ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ للَدَيََّ﴾[ق: ٩٢] وكما تم في فرض الصلاة في الإسراء والمعراج أن تكون خمس صلوات في العمل، وخمسون في الأجر فما زال يحط من الخمسين بعلم الله إلى أن انتهى إلى علم الله بإثبات الخمس، وهكذا يكون الله علمه في الأشياء سابق لا يحدث له علم، بل يحدث التعلق لا العلم، ولو حدث العلم لم تقع الثقة بوعده، لأنا لا ندري ما يحدث له، فإن قلت: فهذا أيضا يلزم في الوعيد؟ قلنا: كذا كنا نقول ولكن علمنا أنه ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه، وبما تواطئوا عليه من كل ما هو محمود فيعاملهم بذلك في شرعهم، كذا سبق علمه ﴿ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٣٠١] ومما يتمدح به أهل هذا اللسان، بل هو مدح في كل أمة التجاوز عن إنفاذ الوعيد في حق المسيء والعفو عنه، والوفاء بالوعد الذي هو في الخير وهو الذي يقول فيه شاعر العرب: وإني إذا أوعدته أو وعدته… لمخلف إيعادى ومنجز موعدي فكان إنزال الوعيد بعلم الله الذي سبق بإنزاله، ولم يكن في حق قوم إنفاذه في علم الله،ولو كان في علم الله لنفذ فيهم كما ينفذ الوعد الذي هو في الخير ، لأن الإيعاد لا يكون إلا في الشر، والوعد يكون في الخير وفي الشر معا يقال: أوعدته في الشر، ووعدته في الشر والخير، وقال – تعالى -: ﴿وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤] فمما بين لهم تعالى التجاوز عن السيئات في حق من أساء من عباده، والأخذ بالسيئة من شاء من عباده، ولم يفعل ذلك في الوعد بالخير، فأعلمنا ما في علمه، فكما هو واحد في ألوهيته هو واحد في أمره، فما أنزل إلا بعلم الله سواء نفذ أو لم ينفذ.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.