د / علي عبدالظاهر الضيف
أتى شخص إلى أحد البلدان وأخذ ينادي أنا سياسي أستطيع حل المعضلات والمشاكل بين الدول، والعشائر وبين الشخصيات أنا سياسي… سمعه الملك وهو جالس في قصره فقال لرجاله آتوني بهذا المنادي، وحين دخل الرجل سأله الملك:
أنت سائس؟ رد السياسي: أنا لست سائساً، أنا سياسي.
قال الملك: سياسي فأنت سائس إذن !
سلموه فرسي يرعاه ويسوسه !
عبثا حاول السياسي ان يعرفه الفرق بين السائس والسياسي ولكن الملك لا يعرف التفاهم ، فلم يكن لدى السياسي خيار أمام ذلك الملك خوفاً من البطش والإعدام، فتسلم الفرس، رحيم تسلم مهام وظيفته حذره السائس السابق قائلاً:
هذه الفرس أعز على الملك من روحه إياك أن تخبره عنها بأي خبر غير سار وإلا سيقوم بإعدامك!
أمر الملك خدمه، بأن بحضروا للرجل غرفة وفراشاً واعطوه ثلاث وجبات مرق ورز ليباشر مهمته ويسوس الفرس.
باشر الرجل عمله وبدأ يسوس الفرس وبعد عشرين يوماً، هرب خوفاً من الملك فأمر الملك بإحضاره وسأله لماذا هربت؟
ربما أنك قد وجدت عيباً في الفرس؟
قال الرجل مولاي اعفني قال الملك: لابد وأن تخبرني ماذا وجدت في الفرس وإلا أعدمك !
فقال الرجل: إذاً أعطني الأمان قال الملك: لك الأمان.
قال الرجل: هذه الفرس أصيلةولكنها لم ترضع من أمها !
غضب الملك غضبا شديدا ، وأمر خدمه برمي الرجل في السجن وأرسل في طلب الوزير الذي أهداه الفرس، أتى الوزير،
سأله الملك قائلاً: كيف تعطيني هذه الفرس وهي لم ترضع من أمها الأصيلة؟!
قال الوزير: مولاي سامحني لقد ماتت أمها عند ولادتها، لم يكن لدي إلا بقرة نمتلكها قامت بإرضاعها، قال الملك: إذاً ما قاله السائس صحيح، فأمر الملك بإخراج الرجل من السجن وقال له يبدو أنك داهية .. أخبرني كيف عرفت أن الفرس لم ترضع من أمها؟!
قال الرجل:
الفرس الأصيلة عادة تأكل في معلف أو تعليقة في رقبتها تأكل منها وهي مرفوعة الرأس، أما فرسك يا مولاي فإنها تبحث عن الطعام على الأرض مثل البقر. الفرس الأصيل لا يضع رأسه في الأرض فهو دائماً رافع رأسه، فقال الملك للسائس أحسنت .. وقال للخدم خذوا الرجل أعطوه دجاجاً وأطعموه جيداً.
وأمره أن يسوس زوجته الملكة، وقال سوف أمنح شرف خدمة الملكة، توسل الرجل: مولانا اعفني جزاك الله خيراً.
قال الملك :
أبداً هذا أمر ملكي ، وعليك تنفيذه.
وأخبر الملكة أن هناك خادماً جديداً وسيكون مرافقا لها ومستشاراً، ولها أن تطلب منه ان يقضي أمورها وحاجاتها.
قام السياسي بتدبير امور الملكة ورعايتها … ثم بعد فترة من الزمن هرب السياسي فأرسل الملك الخرس للقبض عليه وسأله :
ماذا رأيت من الملكة جعلك تهرب من القصر ؟
توسل السياسي إلى الملك أن يعفيه إلا أن الملك أصر أن يعرف منه ماذا وجد في الملكة، فطلب السياسي الأمان فأعطاه الأمان وقال له : صارحني ماذا وجدت؟!
قال الرجل: إنها تربية ملوك ولها أخلاق الملوك وكرم ملوك لكنها ليست ابنة ملوك !
جن جنون الملك وقال له: كيف تقول إن زوجتي ليست ابنة ملوك!
فأمر بسجنه وقطع الطعام عنه.
وذهب إلى أم الملكة وأبيها في مملكتها بالبلد المحاور ليستوضح الأمر منهما .. فقال لهما أخبراني وإلا أمرت بإعلان الحرب عليكم الآن !
هذه البنت ابنة من؟
فقالا له أعطنا الأمان ونحن نخبرك..
قصا عليه حكاية الملكة من البداية : كانت ابنتنا لك وأنت لها وهذا كان اتفاق بيني وبين ابيك الملك منذ أن كان عمرها سنتين وكان أبوك ملكاً ظالماً وقد أصابت ابنتنا الحصبة وماتت، وفي هذا الوقت أمرنا أبوك بإجلاء الغجرعن المنطقة فطردناهم، بعد أن أحرقنا منازلهم فتركوا خلفهم طفلة جميلة عمرها عامان وحدها فأخذتها وقمنا بتربيتها .
رجع الملك لبلدته وأمر بإخراج الرجل من سجنه وسأله كيف عرفت أنها ليست ابنة ملوك، وهي من عمرها سنتين قد تربت عند ملوك وعاشت معهم حتى هذا العمر؟
قال الرجل: مولاي قلت لك إنها تربية ملوك، لكنها ليست ابنة ملوك لأن عندها غمزة بعينها تتغامز عندما تتكلم وهذه من عادات الغجر يتغامزون عندما يتكلمون فعرفت أنها ليست ابنة ملوك!
فقال الملك هذا الرجل داهية! أطعموه خروفاً الصبح وآخر عند الغداء وثالثاً عند العشاء وتجلس هنا تسوسني!
هنا اضطربت فرائص السائس وأصابه الرعب، وحاول وتوسل لكن لا فائدة
… هرب الرجل من ليلته فأرسل الملك خلفه الجنود الذين لحقوا به وأمسكوه ، وقال له إن ذكاءك قد أوصلك لشيء لم يكتشفه أحد غيرك ولم يتعرف سره الا انت فأخبرني ماذا وجدت في شخصي!
قال السائس بعد ان أعطاه الملك الأمان :
من قال لك إنك ابن ملك.. ؟
اذهب يا مولاي وابحث عن أصلك !
وبالكاد أمسك الملك نفسه حتى لا يطيح برأسه وأمر بحبسه تمهيدا لإعدامه حتى يتبين الأمر من أمه !
ذهب الملك إلى أمه ووضع السيف على بطنه وقال لأمه إن لم تخبريني بالحقيقة قتلت نفسي :
ابن من انا ؟
فقالت له أمه:
كان أبوك ظالماً ولا ينجب، يتزوج البنت وبعد تسعة أشهر إذا لم تلد يذبحها، وعلى هذا المنوال قضى على نصف بنات البلدة حتى وصل الأمر لي ماذا علي أن أفعل، إما ألد أو يذبحني، وكان في القصر طباخ عاشرته فحملت وجئت بك!
أتى الملك بالسياسي وسأله كيف عرفت حقيقتي ؟
قال له : الملك عندما يعطي ويهب يعطي ذهباً وفضة أما أنت فتعطي مرقاً ورزاً ولحماً ودجاجاً!
الذي يرافق الطباخ ماذا ينال منه؟ عندما يرضى عليك يعطيك طعاماً وعندما يغضب يقطع عنك الطعام !
قالها أجدادنا قديما (على الأصل دور)
وليس كل ما يلمع ذهباً فهناك ذهب (فالصو) .