طه ابراهيم
استيقظ أحمد من نومه واستقبل ضوء الفجر المتساقط من النافذة وكأنه يحتضن الصباح الباكر بين زراعيه وحجم التفاؤل الذي يشعر به لا حدود له. الحياة تبدو جميلة . ينتظر شروق الشمس مع قطرات الندى. اليوم يبدو مختلفا نوعا ما. ولم لا وقد يأتي الإبن الثاني الذي ينتظره منذ أن حملت به عفاف تلك الزوجة التي أحبها وتزوجها منذ خمسة أعوام والتى أنجبت الإبن الأول تلك الزوجة الرقيقة مرهفة الحس فهي تمتلك موهبة فذه إنها تكتب الشعر والقصة ولطالما تغزلت في عينيه بكلماتها المبهرة والساحرة والذي كان يمثل لها فارس أحلامها قبل الزواج وبعدها أصبح أبو الأولاد ورجلها التي كانت تفخر به وتستلهم الشعر في عينيه وأخلاقه وشهامته وحسن معاملته لها إنه طيب القلب وهو أيضا حين يسمعها تهون عليه مصاعب الحياة مهما كان حجم المتاعب والأعباء وتمر الايام سريعا بعد مجيئ الإبن الثاني وأحمد يعمل في الحقل والذي كان يسعده كثيرا حين يستريح في ظلال الأشجار التي تحيط قطعة الأرض الذي ورثها من أبيه ورفض أن يعمل بالشهادة الجامعية التي حصل عليها إنه يحب هذه المهنة التي يتعلم منها الصبر والأمل إنها مهنة الوالد والأجداد وما أعظم تلك السعادة والفرح والسرور حين يبصر النباتات تنمو امام عينيه ويأتي المساء يذهب إلى صغيريه ليداعبهما قليلا من الوقت يلاعبهما ويحملهما علي كتفيه ما أجمل تلك اللحظات في حياته ويجلس مع الزوجة يسمع لها ويصحح لها بعضا من الكلمات ويسعد حين يجد التعليقات على بعض أعمالها الأدبية ويتصل ببعض أصدقائه في نوادي الأدب حتي يبحث لها عن فرصة من خلال مسابقة أومشاركة في ندوات ومؤتمرات …. ويحلم معها ولم لا إنه يري سعادتها البالغة في الكتابة وما يسعدها لا شك يسعده .حتي جاءت الفرصة أخيرا لقد أخبره أحد أصدقائه المقربين عن مسابقة كبري تنظمها إحدي الدول العربية. تحمس لها أحمد بل وشجعها على المشاركة ولعلها تجد فرصتها التي تحلم بها وبدأت عفاف تعد للمسابقة في محاولة تبدو بائسة. لكن من يدري ربما.. وأرسلت أعمالها الأدبية ومرت الأيام سريعا وإذا بالهاتف يرن …. ترد عفاف . تسمع من يقول .. يافندم معك المسئول عن المسابقة الكبرى أبشرك أنك قد فزت. وعليك الإستعداد للسفر حتي تتسلمي الجائزة والتكريم … صاحت يا إلهي
إنها لا تصدق … إنها تكاد تطير من الفرحة وذهبت مسرعة إلى زوجها وهو يعمل في الحقل إلحقني يا أحمد وقصت له ما حدث … وهو أيضا ترك الفأس جانبا وهو يصيح لا أصدق وهو يحتضن زوجته من فرط الفرحة ثم ابتعد سريعا عنها خجلا من الجيران خشية أن يراه أحد وهما يقفان وسط الزرع . هيا سنذهب معا
إلى البيت حتي نتأكد من الخبر وبالفعل يتأكدا أن الخبر صحيح وفي المساء يتصل أحد مسئولي المسابقة ألف مبروك يا عفاف عليك إحضار الأوراق وجواز السفر. قالت وزوجي معي مرافقا لي قال لها للأسف الشديد غير مسموح. المتسابق فقط قالت حسنا و إن لم أذهب قال لها سيأخذ الجائزة متسابق آخر وهنا حزنت عفاف ماذا انا فاعلة سأبلغهم رفضي للجائزة . قال أحمد وأنا أوافق. قالت نعم ياأحمد أنا معك على ماذا يا عفاف؟! قالت الرفض طبعا .قال لا بل السفر ..نظرت إليه بدهشة ماذا تقول أذهب وحدي ..مستحيل.. وأنت يا أحمد قال سأرعي الأولاد والأرض إنها عشرة أيام فقط لا تقلقي. سيكون برفقتك كثير من المتسابقين فجلست متحيرة وهي في حزن عميق. وتقول يجب أن أرفض. ولكنّ أحمد الذي تعلم الصبر والأمل والتفاؤل يحتضنها وهو يبتسم.. يا عفاف مستقبلك هو مستقبلي ونجاحك هو نجاحي وأنا لن أكون حائل أبدا أمام مستقبلك غدا إن شاء الله نذهب سويا ونعد الأوراق المطلوبة . وتوالت التهانى والتبريكات وتليفونات من معظم كبار الأدباء والشعراء والكتاب العرب وإذا برجل كبير يطرق الباب وهما لا يعرفانه ولكن يبدو عليه الوجاهة والشياكة وأناقة الكلام ويقول لهما أيعقل أنكما لاتعرفانى..أنا المسئول عن كذا وكذا ولي عشرات الكتب والمراجع والمؤلفات وبرامج تلفزيونية ولقاءات ومقالات في الصحف والمجلات وهما في حالة من الدهشة وهما يقولان نعم.. نعم نسمع عن حضرتك كثيرا. ولكن لم نحظى بشرف الرؤيا قال أنا كنت ضمن لجنة التحكيم وأنت يا إبنتي جوهرة يجب أن تقدرى قيمتك الأدبية والإبداعية أنت كنز أيتها المبدعة.. وأحمد ينصت في حالة انبهار شديدة بزوجته . قالت عفاف لكن يا أستاذنا هناك مشكلة كبيرة . وما هي.. سأسافر وحدي دون زوجي قال لا عليك ستكونين برفقتي سعد أحمد بهذا الخبر وهي أيضا سعدت به . وتمضي الأيام سريعا ويأتي موعد السفر ويعيشا ليلة من أصعب الليالي عليهما ولم لا وهى المرة الوحيدة التي يفترقا فيها جلسا يبكيان بشدة لم يتمالك أحمد أن يحبس دمع عينيه وكأنه فوجىء بالسفر وهو يقول في نفسه..أشعر لوأني منعتها السفر سأجنى عليها وعلي مستقبلها وعلي حلمها ولطالما كانت تحلم بهذه الفرصة وإن تركتها تسافر أشعر أني أفرط فيها أخشي عليها من الأخطار والمتاعب وهي وحدها وهي امرأة طيبة وجميلة أيضا ماذا أفعل لكنها أسئلة قد فات ميعادها.. الوقت أزف ولم يعد لتلك الأسئلة مكان وتشرق الشمس علي قلبين كادا أن يتمزقا من لوعة الفراق إنه القدر وما هي إلا لحظات قليلة.. السيارة جاءت أمام البيت ولا بد من التحرك سريعا الوقت.. الوقت هيا يا عفاف أسرعي وانطلقا معا إلى المطار وهناك تعانقا عند سلم الطائرة وما هي إلا أيام قليلة حتى جاءت الجائزة الكبرى لكنها لم تأتي إلى الأبد .