ورئيس مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري
معالي السيد/ أحمد أبو الغيط
الأمين العام لجامعة الدول العربية
أصحاب المعالي والسعادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نجتمع اليوم، وتركيا تدشن فصلاً جديداً من فصول اعتداءاتها السافرة والمتكررة على سيادة بلد عربي عزيز علينا جميعاً، وعضو مؤسس لجامعة الدول العربية، مستغلة الظروف القاسية التي تمر بها سوريا، لكي تشرع في تنفيذ مخططاتها الرامية إلى إحياء عهد قد ولى بلا رجعة، والخروج من أزمة داخلية عبر تصديرها إلى وطننا العربي.
إن العدوان التركي على الأراضي السورية يحاول التخفي تحت ستار محاربة الإرهاب، وفي ذلك ما يثير السخرية والاستغراب في آن واحد، إذ أن هذا الادعاء إنما ينطوي على تغافل جسيم عن الدلائل القاطعة التي تشير بلا لبس إلى مسئولية تركيا وقيادتها عن دعم المنظمات الإرهابية في المنطقة، واحتضانها لكيانات وشخصيات ثبتت صلتها بالإرهاب، وتسهيلها انتقال المقاتلين الإرهابيين لمختلف أنحاء المنطقة العربية، ومن ثم فإن الإدعاءات التركية التي تحاول تبرير هذا العدوان السافر على سوريا بوصفه موجهاً ضد الإرهاب، لا تؤكد على شيء سوى تهافت منطق النظام التركي، الذي يحاول خلط الأوراق، ويريد التعمية على احتضانه للإرهاب ورعايته وتوظيفه ضد دول المنطقة وشعوبها.
إن النظام التركي، يحاول الخروج من أزمته الراهنة، بالاندفاع في سياساته العدوانية، ومحاولة اقتطاع منطقة نفوذ في سوريا، وإجراء تغييرات ديموغرافية قسرية في سوريا، الأمر الذي يرتقي لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي.
إن الشعوب العربية تنظر إلى اجتماعنا اليوم، وتنتظر موقفا عربيا قويا، ويرتقي إلى جسامة التحدي، ويعلن رفض العدوان، ويتخذ إجراءات حاسمة لردعه ومواجهته، حفاظاً على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وحمايةً لتماسك شعبها الاجتماعي، وتخفيفاً من معاناته.
أصحاب المعالي والسعادة،
لقد أدانت جمهورية مصر العربية بأشد العبارات العدوان التركي على الأراضي السورية، إذ لا يمكن النظر إليه سوى باعتباره احتلالاً غير مقبول لأراضي بلد عربي شقيق. واسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة لأعيد التذكير بموقف مصر الثابت والداعم لاستقرار وسيادة الدول العربية كافة في مواجهة أي اعتداء خارجي، كما أؤكد على رفض مصر الكامل للتدخلات الإقليمية الهادفة إلى زعزعة واستقرار الدول العربية والتدخل في شئونها الداخلية.
إن عدوان النظام التركي على سوريا يعد خرقا جسيماً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، وخاصة القرار رقم 2254، فضلاً عما يمثله ذلك العدوان من تهديد مباشر للأمن القومي العربي، وللأمن والسلم الدوليين، فليس خافياً على أحد التبعات الكارثية التي يمكن أن يسفر عنها ذلك العدوان، سواء لجهة تقطيع أوصال الوطن السوري، وزيادة الاحتقان الاجتماعي، بل ومحاولة افتعال صدام دموي بين مختلف مكوناته من خلال التغييرات السكانية القسرية، أو لجهة إبطال نتائج الانتصارات التي تحققت، بأثمان غالية وتضحيات هائلة، على تنظيم داعش الإرهابي، وفتح الباب أمامه وأمام سائر التنظيمات الإرهابية لإعادة التجمع والحشد، وصولاً لاستعادة سيطرتها على المناطق التي سبق وأن خسرتها.
إن تركيا تتحمل المسئولية كاملة عن أي تداعيات لعدوانها السافر، تؤدي إلى تفشي الإرهاب مجدداً أو عودة تلك التنظيمات الإرهابية لممارسة نشاطها في الشرق الأوسط على اتساعه. كما إن على المجتمع الدولي، ممثلاً في مجلس الأمن، أن يتحمل مسئوليته في مواجهة هذا الدعم السافر للإرهاب، وهذا الاستخفاف الفاضح بكافة مبادئ القانون الدولي.
أصحاب المعالي والسعادة،
يحاول النظام التركي استغلال ظروف سوريا القاسية، والمحنة الممتدة التي يعيشها أبناؤها داخل وخارج سوريا، ذريعةً لتبرير الاحتلال السافر لأراض عربية، الأمر الذي يتعين معه أن نسمي الأشياء بأسمائها. فما يقوم به النظام التركي هو عدوان سافر ينتهك كافة المقررات والمواثيق الدولية، ومن حق جميع السوريين مقاومة ذلك العدوان، إعمالاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس الذي نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وعلى المجتمع الدولي كله مسئولية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة التي تكفل وقف العدوان التركي وترغم النظام التركي على الانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي السورية، ومحاسبة كل من يتورط من عناصر هذا النظام في جرائم الحرب والتهجير التي تمارس على أرض سوريا الشقيقة.
وستكون مصر في طليعة كل جهد عربي، يسعى لمواجهة هذا العدوان، ومحاسبة مرتكبيه، خاصةً أن المؤشرات الأولى تُشير إلى تصاعد عدد القتلى والجرحى فضلاً عن أعداد المدنيين الأبرياء المُهجرين، والذي وصل إلى 100 ألف مواطن سوري، وهي جرائم حرب وضد الإنسانية بموجب القانون الإنساني الدولي.
أصحاب المعالي والسعادة،
لقد جاء هذا العدوان الغاشم، في وقت كادت الأزمة السورية فيه أن تشهد الاختراق السياسي الذي طال انتظاره، مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية والبدء في أعمالها اعتباراً من نهاية الشهر الجاري. ومن هنا فإن وقف هذا العدوان، يعد شرطاً ضرورياً ليس فقط لصيانة وحدة واستقلال التراب السوري، وإنما أيضاً لتوفير الظروف الملائمة للبدء الفوري في المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، للتوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية تنهي أعوام الحرب الطويلة التي عانى منها جميع أبناء الشعب السوري الشقيق، وتعيد لهذا الشعب العربي استقراره المفقود، وتتيح له تحقيق طموحاته المشروعة.
إن علينا جميعاً، وخاصةً في هذه القاعة، مسئولية تاريخية لنقف إلى جوار الشعب السوري، وننهي هذا العدوان السافر عليه، ونفتح الباب أمام طي صفحة حزينة وطويلة من تاريخ هذا الشعب العربي العريق. وسيحاسب التاريخ حساباً عسيراً كل من تورط في دعم عدوان النظام التركي على سوريا العزيزة، وكل من تخاذل في نصرة شعبها الشقيق.
وفقنا الله جميعا إلى ما فيه خير سوريا الشقيقة، وخير أمتنا العربية،