كتب لزهر دخان
القصة بقلم عبده حسين إمام .و هو شاعر وقاص مصري ولد في القاهرة سنة 1978 م . شارك في إصدار أدبى جماعي ” كان هنا يوما ” بقصيدة “نداء” صادر عن دار إنسان للنشر والتوزيع المصرية. كما شارك في مجموعة قصصية لدار إضافة للنشر والتوزيع المصرية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، 2020 بقصة (رائحة الإنسان). وله ديوان شعر (أغنيات الرحيل) تحت الطبع . وسبق له نشر قصائده في الصحف المصرية مثل العروبة والملتقى الدولي والشروق. وكذلك نشر مجموعة قصائد بصحف إليكترونية مصرية وعربية. وهو الفاز في مسابقة مجلة أمارجى السومرية العراقية بدرع تكريم وشهادة تقدير عن قصيدة “لمثل هذا” ونشر أعماله القصصية في منتدى صدى ذاكرة القصة المصرية .
النص بعنوان “صخب الأكاذيب”
لقد قضوا حاجاتهم و انصرفوا و ما عاد بالحمام العام للبرج احدٌ إلا أنا , في عجالة أمسك ممسحة البلاط
لتنظيف الحمام سريعا قبل مجيء زوا ر جدد أخرج من الحمام تاركا الممسح ة خلف الباب عائدا الى الكرسي
الخشبي الذى خصصته شركة الحراسات الخاصة التي اعمل بها لي , يخرج من المصعد رجل مكتنز الجسد
مهوش الشعر مستطيل الوجه تحت عينيه تجاعيد لذه ن منهك ذو شفتين ممطوطتين تحت أنفه المتكتل
وإذا به ينهرنى صائحا ” المصعد يتعلق بي و أدوس على ذر الإنذار و أنت لا تدرى” و عيناه كتلة من
غض ب و لو م وتأني ب و مقايض ة بتلميح لما يدفعوه كاتحاد ملاك للبرج التجاري و ما أتقاضاه كعام ل للأمن و
النظافة , بينما يشتعل الموقف بيننا يدخل فارعا أنيقا من مدخل البرج المطل على شاطئ النيل الفضي
المعتم رجلٌ ذو هيب ة و ملاح ة لا ت خفى ج د يته التي لاحت في حاجبيه شبه المعقودين ينظر إلينا و يميل
بعينيه الى غريم لحظتي مناديا في مصافحة سريعة ” شفيق” فإذا بشفيق يخرج عن عدوانيته تجاهي إلى
وجه منبسط على جسد ينحني انحناءة خفيفة لهذا الرجل الفارع محييا إياه في حرار ة وخشوع ) اهلا
بمعاليك سيادة القنصل( . شفيق صاحب محل التجميل النسائي في الطابق الأول من الأبراج تبلورت حياته
في تجميل وتبديل الوجوه والتي لا تختلف مواقفه وقراراته كثيرا عن عمله في التجميل والتبديل الذي قد
يصل أحيانا للتشويه ماذا في تلك الليلة وتلك الوردية التي بدأت معي بتوبيخ وتأنيب أرافق “سيادة القنصل
” بالمصعد كجز ء أيضا من عملي يسألني عن اسمي بوجهه الوردي الذي تنطفئ حمرته قليلا خلف تقطيب
حاجبيه وأنا القادم الجديد في هذا العمل وهذا المكان،
سيادة القنصل أكاديميا يعمل بالسلك الاقتصادي في احدى الدول الاوربية معظم أيامه خارج مصر ولا يأتي
لمصر الا أحيانا تمتد جذوره للحى الشعبي الملاصق بالجهة الجنوبية للأبراج.
لقضا ء أوطا ر وانهاء اعمال وما مصر الا محطة ترسو عليها ثمار جهده وملاذا لرغباته غير المفهومة
أحيانا.
يرتبط به هذا السائق الكهل الذي ينتظره داخل السيارة امام بوابة البرج ويتضاحك مع إبراهيم ذلك الطفل
الذي يعمل في شواء الذرة في ركن متوا ر امام حديقة صغيرة امام مدخل الأبراج وتعلو ابتسامات عندما
يرى هذا السائق الكهل إبراهيم وهو يخاطب أمه الخرساء بإشارات ملؤها الحب والحرص.
، تتناطح الأبراج
امام الأعين فيبدو م ن تحتها ضئيل فماذا لو كانت الضآلة في المنصب والموقف والوجود ربما تضاعفت
ضآلتنا والنيل أعين خجلي ترقب ضآلة بنيها.
في مشه د جنائزي تدخل في صحبة عصبة من النساء بعضهن عجائز وأخريات غليظات الوجه والإطلالة
فتاة غضة حمراء الوجه من أث ر بكاء او قلق او ارق او أي شيء قد ينغص على إنسا ن حياته
ماذا عن هذا الوجه المختوم في ذاكرتي أين قد التقينا أين قبعت في أقعي ة عيني ومكنون ذاتي صورتها
ربما في الجامعة أثناء الدراسة، أم في المعدية التي اعبر بها يوميا من العاصمة الى جزيرتنا الوحيدة على
صدر النيل ربما او لا ربما ففي عينيها حزن يشبه احزان كثيرة تتعاقب على مدار أيامنا.
في هذا البهو المكشوف في ردهة البرج الملحق التجاري التي تكشفه سماء تتعاقب أوقاتها ومصابيحها
قبيل الغروب كم تأوي إلى ذلك المدخل آمالٌ وأفواه تطمح في التقاط الفتات، يدخل رجل نحيف ذو حو ل
خفيف ف عينيه بجلباب ريفي بسيط وفى ذيله طفل لا يتعدى سنواته الست يحملان د ف ا و رق ا ينتظران ما
تجود به الأقدار من عرائس أتين الى شفيق في رحلة التزيين التجميل والتبديل الذي ربما أحيانا لا يكون
تبديلا للأفضل.
وكان عجيبا ان يصطحب طفلا في عمل ظاهره الفرح و باطنه المشقة ,جاذبني الحديث كي يأمن جانبي
بصفتي حارس الامن الجديد للمكان و الذى يبدو من حديثه اللطيف معي ان ما يفعله مرفوضا في هذا
المكان الراقي و أخبرني انه في حين اصطحابه لرج ل آخر يساعده في الدق و الزف و التطبيل “يقاسمني
في رزقي” فكم يتصارع على الفتات كثير من الافواه الجائعة,
هبط الليل طارقا مجاهيلا ك ث ر في ظلماته المتلاطمة وكأن أضواء المصابيح قبضات هشة تنبش في ضلوع
الظلام
تدخل ثلاثة فتيات تتوسطهن ذات جسد مترهل يكتنز داخل فستان ضيق يزين رقابهن وأذرعهن حلى ذهبية
بارقة يسألنني عن مكان “كوافير شفيق” بجانبي عازف الدف يدق على دفه دقات خفيفة من باب التجهز
والاستعداد،
بدون مناسبة وفجأة يشير الى سائق سيادة القنصل أن اذهب اليه تقترب منه فتاة عشرينية ذات وجه رقيق
أملس بأعين هصرتها السنين الصغار فصارت نظراتها خبيرة متسائلة تشتت فيها تلقائية الصغر وودعتها
بكارة الصبا، يحدثني بصيغة الأمر “و ص ل الهانم لشقة الباشا” وأنا كعام ل جديد بالمكان وطبقا لتعليمات
سيادة العقيد مالك الشركة علينا الطاعة بما لا يخل بأمن الموقع وبالمصعد تجرى معه مكالمة يتخللها دلال
أنثوى و أمام باب الشقة اطل براسه ونصفه العلوى العاري بفم يسيل لعابه في سخ ف و بلاهة.
بينما عدت لمقعدي فإذا بفتاة من الفتيات الثلاثة تنتظرني في لهف ة لتسألني “ألم تجد خاتم ألماس ضائع
على الأرض” فأجبتها ويملئني الأمل أن تجده أو أجده لها بأنني لست أدرى ولم أجد شيئا.
تدور الفتاة في البحث عن الخاتم في جيئة وذهاب أمام مدخل البرج و في الأفق الفتى “إبراهيم” بائع الذرة
يتهاوش مع طف ل ضال ممن يطلق عليهم أطفال الشوارع ممزق الوجه و الثياب وتصاعدت حدة التشابك
حتى تدخل السائق الكهل كي يفرقهما الى أن اخرج الطفل الضال آلة حادة و طعن إبراهيم و فر هاربا
انطلقت ناسيا كل التعليمات الى الفتى الجريح كاتما جرحه بقميصي الأزرق و الدم يسيل بغزارة و تكفل أحد