كتبت زينب عبده
أيُّها السالكُ إيَّاك ورؤيةُ النَّفسِ إيَّاك والغُرورُ إيَّاك والكِبرُ فإنَّ كُلَّ ذلك مُهلِكٌ، ما دَخَلَ ساحَةَ القُربِ من استَصغَرَ النَّاسَ واستَعظَمَ نَفسَهُ، من أنا ومن أنت أي أخي كلُّ واحدٍ مِنَّا مُسَيكِينٌ أوَّلُهُ مُضغَةٌ وآخِرُهُ جِيفَةٌ، شَرَفُُ هذا العَرَضِ (الجسد) جَوهَرُ العَقلِ، العَقلُ ما عَقَلَ النَّفسَ وأوقَفَها عند حَدِّها فإذا لم يكن عَقلُ المَرءِ عاقِلًا لِنَفسِهِ مُوقِفًا لها عند حَدِّها في أخذِها وَرَدِّها فليس بعَقلٍ، وإذا حُرِمَ المَرءُ الجَوهَرَ ذهب شَرَفُهُ وبقي عَرَضًا ثقيلًا كثيفًا لا يليقُ لمرتَبَةٍ عَزِيزَةٍ ولا لِمَنصِبٍ نَفِيسٍ وإذا تمَّ عَقلُهُ وكَمُلَ صار الحُكمُ فيه للجَوهَرِ المَحضِ فَصَلَحَ أن يكون على تِيجانِ الملوكِ والأكاسرةِ.
وأوَّلُ مَراتِبِ العَقلِ الانخِلاعُ عن الأنانِيَّةِ الكاذبَةِ والدَّعوى الباطِلَةِ وصَولَةِ الفَتقِ والرَّتقِ والوَهبِ والسَلبِ وإذا حَكَمَهُ المَقامُ وصارَ صِفَةً عليه أيضًا فاللازمُ عليه أن يعرفَ مُبتَدَأهُ الطينيَّ ومُنتَهاهُ التُرابِيِّ وأن يقف بين هذه البدايةِ والنهايةِ بما يناسِبُهما من قَولٍ وفِعلٍ، لأنَّ واعِظَ اللهِ في قلبِ كُلِّ رَجُلٍ مُسلِمٍ.
من لم يكن له من نفسِهِ واعِظٌ لم تَنفَعهُ المَواعِظُ كيف ينتفعُ بالمَوعِظَةِ من كان قلبُهُ غافِلًا.
قال سهل رحمه الله تعالى الغفلة سواد القلب.
وقال السَّيِّدُ الأمينُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ من حديث “ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَةٌ إذا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهي القَلب”ُ.
أي أخي تَنتَفِعُ من مَوعِظَتي وأنتَفِعُ من مَوعِظَتِكَ إذا أخلَصَ كُلٌّ مِنَّا.