بقلم / حنان عبد البديع
نظرا لان الحديث عما يعد للمستقبل من خير او شر لطرفي الحرب الابديه بين الخير والشر يثير دهشه او عدم اقتناع او سخريه لما يقرؤنه “فقررنا نعود للماضي والحاضر الذي عشتموه ورايتموه بانفسكم لعل ذلك يزيل اللبس والاستغراب والدهشه وقد يجعلنا نري الاشياء بعيون اخري وبعمق اكبر.
ما من حدث جديد يظهر الا وله ماضي يعود بنا إلى تاريخ مشرف فخر للمسلمين والاسلام ! الآن نعيش فتره من التدهور الاقتصادى فى مصر (عوده إلى الماضى ) نغوص فى بحر التاريخ ، ليست هى المره الاولى يتعسر بنا اقتصاد مصر .
نرجع معآ ألى عصر المماليك و للمملوك الملك المظفر الذي هو من جنس “المماليك”..صاحب مصر(سيف الدين قطز ) ومعركة عين جالوت:
قطع قطز أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد، وهو وقف زحف التتار ومواجهتهم, فقام بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وقال لهم في وضوح :
“إني ما قصدت أي ما قصدت من السيطرة على الحكم إلا أن نجتمع على قتال التتر
كان هناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد من جراء الحملات الصليبية المتكررة، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي، فعمل قطز على أصلاح الوضع في مصر خلال أعداده للقاء التتار.
بعد قتل رُسل هولاكو، وبعد قرار الجهاد الصعب.. بدأ قطز في التجهيز السريع للجيش، فقد اقتربت جدًّا لحظة المواجهة فلابدّ من القضاء على هذه القوَّة الهمجية.. قوَّة التتار، وتحرير بلاد المسلمين لا بدّ من تجهيز الجيش المسلم، وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار.. هذه أمور ضخمة جدًّا.. والأزمة الاقتصادية التي تمر بالبلاد أزمة طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية.. والتتار على الأبواب.. لقد كان التتار في غزة! .
اقترح قطز أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون سوى الزكاة، ولا يدفعها إلا القادر عليها، وبشروط الزكاة المعروفة، أما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة جدًّا، ومؤقتة جدًّا، ولابدّ من وجود سند شرعي يبيح ذلك.. وإلا صارت الضرائب مكوسًا، وفارض الضرائب بغير حق عقابه أليم عند الله عز وجل.فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»و المَكْس ِ من كبائر الذنوب ولا يجوز للمسلم أن يرتكبه باسمه الشخصي أو باسم الدولة .ولما زنت المرأة الغامدية -وكانت متزوجة- فرجمت بالحجارة بعد أن اعترفت بالزنا؛ لتطهر نفسها من الذنب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعظم من شأن توبتها: «.. فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ».
وفي هذا تقبيح شديد لعملية فرض الضرائب إن فرضت في غير حق، وصرفت في غير حق.
يقول الإمام النووي تعليقًا على هذا الحديث: «إن المكس من أقبح المعاصي، ومن الذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها»
فتوى في منتهى الجرأة
قال الشيخ العزّ بن عبد السلام: «إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم (أي العالم الإسلامي)، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم (أي فوق الزكاة) بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء» هذا هو الشرط الأول، أما الشرط الثاني فكان أصعب! قال الشيخ: «وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات (أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون)، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة، فلا!».
هكذا أعلنها العز بن عبد السلام: إنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات، ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكفِ هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش، وليس أكثر من ذلك.
لقد قبل قطز كلام الشيخ العز بن عبد السلام بيسر! وبدأ بنفسه، فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك! فانصاع الجميع، وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية.. واكتشف المسلمون في مصر اكتشافًا عجيبًا.. لقد اكتشفوا أن مصر غنية جدًّا، وأن البلد به أموال ضخمة على الرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فقد امتلأت جيوب كثير من الوزراء والأمراء بأموال البلد الهائلة.. وأصبحت ثروات بعضهم تساوي ميزانيات بعض الدول.. لقد كانت ثروات بعضهم تكفي لسداد الديون المتراكمة على البلد.. وكانت ثروات بعضهم تكفي لسد حاجة الفقراء والمساكين.. وتكفي لإصلاح الوضع الاقتصادي.
وللأسف الشديد فإن كثيرًا من هذه الأموال قد دخلت جيوب الأمراء والوزراء بطرق غير مشروعة، وبغير وجه حق؛ فهذا يختلس، وهذا يرتشي، وهذا يظلم، وهذا يأخذ نسبة، وهذا ينفق في سفه، وهذا يعطي من لا يستحق… وهكذا بُددت أموال الدولة العظيمة مصر! وأصبحت مصر دولة فقيرة نامية بينما إمكانياتها تسمح لها بأن تكون من دول الصدارة!