بقلم هشام صلاح
” ولقد ذكرتك ” عبارة صغيرة موجزة اختزلت حروفها آلام وأوجاع ولهفة محبين هفت قلوبهم ورقت مشاعرهم ونحلت أجسادهم ،فكانت ” ولقد ذكرتك ” مرتبطة بمواقف عديد منها ( ساحات القتال أو المدينة الجميلة الرائعة أو أوقات المساء )
وفى مقالنا نطوف مع مجموعة من أشهر وأرق شعراء الغزل ولوعتهم مع ” ولقد ذكرتك
فى البدء مع ” عنترة ” وغرامه بابنه عمه ” عبلة هذا الشاعر الفارس الذي رفض العبودية ، والذل وأبى إلا أن يكون شاعرا وفارساً وأحب ابنه عمه عبلة التي خصها في أبيات من قصيدته الطويلة ، ويقول :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ………… منّي وبيض الهند تقطر من دمي
فودتت تقبيل السيوف لأنها ………. لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ياللروعة لقد أتى بالمستحيل فى حكم المتاح فقال : ” وددت تقبيل السيوف “
فها هو شاعرنا المحب يتذكر محبوبته فى موضع ينسى الجميع فيه كل ما فى ذاكرتهم إلا الحرص على الحياة فعنترة تذكرها في المعركة والرماح منتشرة في كل مكان والسيوف تصيبه ويتقطر دمه عليها …ولمعان السيوف ذكره بابتسامتها المشرقة .فما أروع تعبيرك أيها المحب البطل الشاعر
* فإذا ما انتقلنا من عصر إلى عصر ومن لوعة محب إلى شجون عاشق نجد روعة المحب الإندلسى العاشق لأميرته ” ابن زيدون ” والذى تعد قصائده في حبيبته ولادة من أجمل قصائد الغزل في الشعر العربي ، نظرا لأنها خرجت من قلب صادق مولعا بالحب ، ولقد مدحها الناقدون وأثنوا عليها ثناء لا مزيد عليه
إِنّي ذَكَرتُكِ بِالزَهراءَ مُشتاقًا
وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِِ
كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَّوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ
كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
وهنا يناجى شاعرنا محبوبته فيؤكد لها حبه واشتياقه فيقول لها لقد تذكرتك في مدينة الزهراء الجميلة فازددت شوقا إليك ولقد كانت الطبيعة باسمة فالسماء صافية ووجه الأرض ضاحك فراقه ذلك المنظر الجميل فهيٌج مشاعره وتذكره لها .
فيالروعته حين جسد الطبيعة إنسانا يشاركه ذكرياته الحلوة فالنسيم مقبلا وقت الأصيل لعلته وفهذى الرياض تبتسم وقد جرت مياهها ممتدة بيضاء كجمال بياض عنقك عندما تتفتح عنه الثوب
* وهذا خليل مطران يطاول السحاب إبداعا وصفاء مشاعر بلؤلؤته ” المساء” فيقول :
ولقد ذكرتك والنهار مودع ..
والقلب بين مهابة ورجاء..
وخواطري تبدو تجاه ناظري ..
كلمى كدامية السحاب إزائي
والدمع من جفني يسيل مشعشعا..
بسنا الشعاع الغارب المترائي..
والشمس في شفق يسيل نضارة .
فهذا شاعرنا وقد اختار وقت المساء وصحبه البحر ليبثه شكواه ؛ وكان سبب الاختيار ما بينهما من تشابه فى اضطراب كل منهما وتقلباته ، كما أن البحر باتساعه وعمقه قد يتحمل شدة معاناة الشاعر وآلامه فكانت رائعته المساء
* إيليا أبو ماضى
ورائعته التى نعدها من فئة القصائد القصيرة لاحتوائها على بيتين فقط، ويمكن تصنيفها من قصائد الحب والاشتياق، يقول فى بيتيها :
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ
في ضَحوَةٍ كَثُرَت بِها الأَنواءُ
فَوَدِدتُ أَنّي غَرسَةٌ أَو زَهرَةٌ
وَوَدِدتُ أَنَّكِ عاصِفٌ أَو ماءُ
وهنا نجد شاعرنا قد وصل لمرحلة عالية من الاستسلام والقنوط، فنجده وقد أمضى الليل ساهراً يفكر في حاله الذي وصل إليه، إلى أن حل عليه وقت الضحى وبدأت خيوط النور بالتسلل إلى السماء، فاختلطت مشاعر اليأس التي تسيطر عليه مع مشاعر الشوق البليغ لمحبوبته؛ فالأمطار الغزيرة وهذه الأجواء التي يسود بها الحنين ما لها إلا أن توقظ بداخله الذكريات الجميلة.
في البيت الثاني يعبر الشاعر عن مدى اشتياقه ولهفته تجاه محبوبته، فيقول لها :
يا ليتني يا حبيبتي كنت نباتاً مغروساً في الأرض و جذروي ممتدة في تربتها، أو يا ليتني زهرة مزروعة في مكانٍ ما. خلاصة القصيدة أن هناك خليطاً من المشاعر التي تعصف بالشاعر، وهي مشاعر العشق واللهفة المغلقة باليأس والاستسلام.
ها قد أوشكت رحلتنا على أن تصل لمرفأ العاشقين مؤكدة
* أن بيتا واحدا من شاعر عاشق مطبوع أبلغ وأجمل من رسالة طويلة يكتبها محب ، لهذا نجد العاشقين دوما وأبدا ما يبحثون عن بيتا يعبر عن أحوالهم ومعاناتهم فيكون ملاذهم واحة الشعر ونبض الشاعر
فيالروعة الشعر والشعراء حقا ” إن من البيان لسحر ” .