إعداد/ محمد مأمون ليله
التوبة
قال شيخنا المكرم أحمد محمد علي حفظه الله:
التوبة في الشرع: هي الرجوع من حال المخالفة التي تقع من العبد. والتوبة درجات، التوبة: للخائف من غضب الله وعذابه، والإنابة: للطائع لأمر الله وأحكامه، والأوبة: للراعي لأمر الله وجنابه.
والتوبة ماهي إلا الندم، كما كان وقع من فعل آدم – عليه السلام – بعد الأكل من الشجرة، ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : ”الندم توبة” (أخرجه أحمد، وابن ماجة، والبخاري في تاريخه، والحاكم في المستدرك، والطبراني، والبيهقي، وابن حبان، وابن المنذر) أي هو الركن الأعظم كما قال – صلى الله عليه وسلم – : ”الحج عرفة” (أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجة).
والعزم في التوبة سوء أدب مع الله، فالتوبة المطلوبة منا إنما هي صورة توبة آدم – عليه السلام – وهي الاعتراف، والندم، والدعاء، لا العزم على تركها. فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : ”أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء” (أخرجه البخاري ومسلم).
فرفع عن العبد المؤاخذة، فلا عزم أن لا يعود لما تاب عنه، فهو جهل بما هي الحقيقة عليها، فإن من المحال أن يرجع إلى ما تاب منه العبد لأنه مضى، وإن رجع العبد لتلك المخالفة التي تاب منها إنما رجع إلى مثلها لا عين تلك المخالفة.
ويقول الله – تعالى – :{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: ٢٢٢) فالله أحبهم حب من رجع إليه، وهو حب جزاء، لهذا لم يأمر بالتوبة إلا المؤمنين فقال – تعالى – : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: ٣١) فإنه لو كشفاء الغطاء عن هذا الحب لأحبوه، ولو أحبوه، لصرفوا همتهم إليه. وثم قوم يغفر لهم بدون توبة كرما وتفضلا منه، وثم قوم يعطيهم الله التوبة، فيتوب الله بعد الذنب، ثم يتوب صاحب الذنب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.