بقلم : على الصاوى
وصل السفير الهندى إلى القاهره قبل شهر رمضان الكريم، فى زيارة خاطفة للملك فاروق، وفى يوم وهو جالس فى باحة القصر العريق، سمع صوتا عذبا رجفت منه أعضاءه ووجل قلبه، وبالغ فى الإنصات كى تشبع أذنيه من جمال روعته وترانيمه الشجيه، ثم سأل أحد الحاضرين، من صاحب هذا الصوت؟؟ فرد عليه قائلاً إنه الشيخ الجليل محمد رفعت قارئ القرأن بالإذاعة، فما كان منه إلا أن أسرع وطلب مقابلته فلما وصل إليه سلم عليه وبالغ فى الثناء والمدح على جودة قرأته وحنجرته الفريده، ثم عرض عليه أن يسافر معه إلى الهند لإحياء ليالى رمضان هناك مقابل مائه جنيه ،لكن الشيخ الجليل رفض وبين له مدى ارتباطه بمسجده وأهله وأنه لن يستطيع السفر ، وانتهت المقابله وغادر السفير غاضبا
فما كان منه إلا أن استعان بالسفير البريطانى كى يتدخل لإقناعه ولكن المحاوله باءت بالفشل، ثم صدر قرار ملكى بمنع الشيخ محمد رفعت من القراءه فى المسجد طوال شهر رمضان عقاباً لرفضه السفر مع السفير الهندى، فانتفض الناس جميعا وكان أولهم المسيحيون الذى خرجوا للإعتراض قائلين كيف يمر علينا يوم لا نسمع فيه صوت الشيخ قبل أذان المغرب؟؟ كانت هذه واقعه تبين مدى الحب والتآلف الذى كان يغلف قلوب المصريين باختلاف عقائدهم ومذاهبهم التى لم تكن حاجزا ومانعا أمام وحده صفهم وصله رحمهم .
تشهد منطقه العريش فى هذا التوقيت الحرج حاله من الإضطراب والفوضى لما يحدث للأقباط هناك على يد جماعات مسلحة من قتل وتهجير لم تعتاد عليه بلادنا من قبل ، بما يخالف الأعراف الإنسانيه والتعاليم الدينيه لإحراج مصر دوليا أنها بلد عاجز عن حماية الأقليات وبالتالى يكثر الشجب والإستنكار من بعض الدول الداعمه للفوضى فى كل مكان بهدف الضغط والخضوع لسياسة تلك الدول التى ما أرادت لنا الخير يوما، فإلى متى ستظل هذه المنطقه بيئه حاضنة للعنف والإجرام والتطرف، فمنذ سنوات وأجهزة الأمن تعمل على تمشيط تلك المنطقه من المسلحين والفرق الضاله من قطاع الطرق والتكفريين ، ومع ذلك لم نرى إحراز أى تقدم فى استتاب الأمن والإستقرار لسكان تلك المنطقه، إن هذا الإيقاع البطيء سوف يساهم فى تعميق المشكله وزياده العنف الذى دائما ما يدفع ثمنه أبناء الشعب من مسلمين ومسيحيين، فحين ينفرط عقد الأمن فالكل فى الخسارة سواء!!
فالنبى أوصى بقبط مصر خيرا لأن لنا فيهم ذمة ورحم، وكما جاء فى رقعة العهد والأمان التى كتبها لهم النبى محمد ووقع عليها خيره الصحابه وقتذاك، فقال فيها ” هم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه، لا يهدم لهم بيت ولا يباع لهم سكن ،ولا يدخل شيء من كنائسهم فى بناء مسجد ،ولا يجادلون إلا بالتى هى أحسن، ويخفض لهم جناح الرحمه حيثما كانوا وحيثما حلوا، ومن يحتمى بهم يدخل فى ذمتى وأمانى “
قديما قالوا “إن اللعب على وتر الطائفيه هو روشته هدم المجتمعات ” وما زال هناك من يلعب بهذه الورقه ليحقق أهداف إستعماريه خبيثه تهوى بالوطن فى مزالق الفتن وأتون الطائفيه البغيض، بعدما فشلت كل محاولاتهم فى ضرب بلادنا لتقسيمها على أساس عرقى طائفى، فالأفه التى تواجه المجتمعات حديثاً هو سقوطها على يد أبنائها ، فالنسيج الداخلى للوطن إذا كان متماسك يصعب على العدو فى الخارج أن ينال من وحدته فهناك مبدأ استعمارى قديم يقول ” فرق تسد ” وهذا من أولى معاول الهدم التى تساهم بشكل رئيسى فى تمزيق المجتمعات وتحويلها إلى فرق وأحزاب.
إن الوطن يسع الجميع ولا يفرق بين الأعراق والعقائد، بل هو مظلة لكل شرائح المجتمع، فبناء المجتمعات يبدأ من التعايش فى حب وسلام دون عصبية وبغض وإجرام، فالحب أفضل وسيله تحفظ وحده المجتمعات