بقلم الدكتور: علي عبد الظاهر الضيف
بعد أن شاهدنا مسرحية أم حسن وأم سحلول ننتقل إلى الجزء الثاني :
أبو حسن وأبو سحلول
المشهد الأول
يدخل أبو حسن محملا بأكياس قد أتى بها من السوبرماركت فيضعها بعد دخوله على السفرة فيهرع أبناؤه إلى الأكياس لحملها ويقومون بدور يشبه إلى حد كبير دور مفتش الجمارك ، فيبتسم وتخرج عليه أم حسن تشرق الابتسامة على وجهها وتقول :
” هل أخذ كل واحد حقيبته التي تحمل طلباته التي أرسلها لأبيه؟
فيضحك الأولاد ويقبّلون أباهم شاكرين له ما حققه لهم من طلبات تراوحت ما بين الشيكولاته ولعب الأطفال والبسكويت وزيت شعر وكريمات للوجه .. وتسأل أم حسن زوجها في تحسر :
نسيت نفسك كالعادة ؟
ألم أقل لك يا رجل إنك تحتاج بعض الملابس القطنية واللوازم الشخصية؟ فتتعلل بقلة المال ثم تنفق أضعافه في سبيل بعض سلع الرفاهية لأولادك ؟
فيجيبها قائلا :
“الأولاد يعتبرونني بابا نويل محقق الأحلام، فلا ينبغي لي أن أخذلهم ! فتنظر إليه بإشفاق وتطلق تنهيدة طويلة وتذهب لإعداد طعامها.
يدخل الأب ليستريح في حجرته وينام ساعتين ثم يقوم من نومه على مائدة الطعام فيضاحك أبناءه ويداعبهم أثناء الأكل فتبادره زوجته بسؤال :
لماذا لا توافق على أن أعمل؟
إنني أشفق عليك من حمل كل تلك المسؤوليات وحدك فلتتركني أساعدك فمصاريف البيت وطلبات للأولاد لا تنتهي، وأنا أستطيع أن أوفّق بين العمل وشغل البيت ؟
فيبتسم ابتسامه حانية ويقول لها :
“مادمت بصحتي فلن أسمح بأن تضيع أنوثتك في زحمة المواصلات أو حمل هم العمل ومشاكل الرؤساء والزملاء وهم بالليل وهم بالنهار وعملك في البيت .. ما أخذتك من بيت أبيك كي تعملي بوظيفتين فيكفيك أجمل وظيفة وأعظم وظيفة للأم وهي أن تعمل أميرة ومديرة في بيتها”
فاحتضنه بنظرات عينيها التي تحمل كل حب وتقدير لهذا الزوج الذي يتفاني في خدمتها .
المشهد الثاني
يدخل أبو سحلول بيته ومعه كيس به قاروصة سجائر يلقيها على السفرة فتدخل عليه زوجته قائلة :
حمدا لله على السلامة فيجيب باقتضاب : الله يسلمك ..
تتردد في الحديث فيقول لها : خيرا .. أرى على شفتيك كلام مكتوم !
الزوجة : أين طلبات البيت ؟ الثلاجة خالية ومخزون الطعام نفد فيضرب الكرسي برجله بحركة عنيفةً قائلا :
ومن أي طريق آتي بالمال؟ أنت تعرفين كم أعاني لأجلكم ؟
تنظر بعينيها ناحية السجائر، وقبل أن تتحدث صرخ بوجهها :
أحرام علىّ أن أعيش مثل باقي خلق الله ؟
انت تعرفين أنني لا استغني عن السجائر
الزوجة :
“أنت تنفق كل ما تأخذه من عملك على المقهى والسجائر وأمور أخرى لا داعي لذكرها، ومرتبي يكاد يكفي إيجار البيت ومصاريف دراسة الأولاد وملابسهم
هل هذا يرضي أحدا ؟
ينطلق لسانه كالبركان الثائر وما فائدة المرأة في البيت ؟
اليد وحدها لا تصفق ومرتبي بالكاد يكفي مصاريفي الشخصية وما فائدة مؤهلك إذا لم نستفد منه في وظيفة تدر علينا دخلا ؟
الزوجة :
كان من الممكن أن يكون لحالنا شأن آخر إذا جعلت مرتبك لبيتك وأولادك ورحمتني من العمل !
أبو سحلول بغضب :
“نفس الأسطوانة اليومية سأترك هذا النقاش العقيم وأذهب إلى سريري لأترك لك الدنيا ..الله يحرقك”
تصرخ الزوجة :
” لقد تعبت تعبت وسأقدم استقالتي ..”
يقف أبو سحلول مصدوما ويلتفت اليها في حده قائلا :
“نعم ؟؟ ماذا قلت ؟ أجننت ؟
تبكي الزوجة وتقول : تعبت مِن ممارسة دور ليس لي ..
انا زوجة، من حقي أن أستريح في بيني معززة مكرمة طلباتي مجابة ..
كم تمنيت ان أشتري فستانا جديدا وأذهب الى الكوافير وأتجمل ..
انظر إلى وجهي الذي قارب على وجه امرأة خمسينية، وانا مازلت في الثلاثين من عمري، نسيت أني امرأة كباقي النساء! ضاع عمري وأنا لم اشعر في بيتك الا بالتعاسة، وكل يوم أراك تخرج في زينتك لتجلس بالساعات على المقهى وتصلني مغامراتك النسائية التي وصلت إلى معاكسة سيدات العمارة والتحرش بامرأة البواب !
كل هذا وأنا أوفر لك العيش الكريم ولأولادك الذين حرمتهم من حنان الأب ولا يرون إلا كل قسوة وعنف وأنانية ..
ما ذنبي وأنا أقوم بكل أدوارك أنت؟
انا مخلوقة من لحم ودم.. أليس من حقي أن أخرج وأتنزه وأشتري بمالي بعضا من الذهب والزينة وأصيف مثل باقي الأهل والجيران في الشواطئ ؟
أبو سحلول :
” كل النساء يعملن ويساعدن أزواجهن ويقمن بكل ما تقومين به وأكثر ..لست عجبة يا هانم .. أما أنا فقد كرهت البيت بسب كثرة صراخك وأسطوانات الشكاوى والتهديد بالاستقالة، لقد أصبحت بشعة لا تطاقين !
تدفن رأسها بين كفيها وتنخرط في بكاء مرير.
ابو سحلول :
نكد نكد نكد كل يوم .. لقد تعبت اعصابي .
يلبس ويهم بالخروج فتذهب خلفه زوجته .. إلى أين ؟
وتتشبث به فيتملص منها، ويدفعها بعيدا وينزل درجات السلم وهو يتصل بصديقه :
جهز الطاولة أنا قادم لآخذ بثأر أمس ولن تغلبني هذه المرة وينطلق في ضحكة عالية ..
ستار