د /علي عبدالظاهر الضيف
أنت لست ملكا ولا أميرا ولكن إن أردت أن يتم استقبالك استقبال الملوك فما عليك إلا أن تزور أختك
وقتها ستعرف مكانتك وقيمتك !
يحكي أحدهم:
طلبت مني والدتي إيصال بعض الأغراض الى منزل شقيقتي ، و رغم تأففي ومحاولة التهرب من ذلك بحجة العمل و مشاغل الحياة المختلفة أصرت أمي على طلبها ، في النهاية استسلمت لرغبتها ، وتوجهت نحو منزل أختي بعد أن أخبرتها والدتي عبر الهاتف مسبقا بقدومي .
في الحقيقة لم أزر منزلها منذ زواجها و هذا بسبب بعد المسافة و اقامتها مع أهل زوجها في منزل مشترك.
و بسبب ثقل الاغراض التي نقلتها اضطررت إلى دخول منزلها بنفسي للمرة الأولى حتى أضع ما جلبته في غرفتها .
فكان أول ما شد انتباهي هو السعادة الغامرة التي لمحتها في عيونها حتى إنها ظلت تحدث أهل زوجها عني بسعادة ولهفة : أخي ، انه أخي ، نعم أخي هو من جلبها ”
فتقول الأخرى ” هذا أخوك ؟ لم نره من قبل ؟ ”
فترد عليهم بإشفاق :
مشغول يا حبة عيني في عمله،المسكين لا يرتاح أبدا ”
كم شعرت بالخجل من نفسي حين سمعت محاولاتها المتواصلة لتبرئتي من تهمة الإهمال الذي تعانيه مني كل يوم في عدم زيارتها و الاطمئنان عليها بينما ظلت هي تحاول الدفاع عني بأعذار واهية لا أساس لها ..!
و أكثر من ذلك ، حين حاولت المغادرة أوقفتني قائلة:
توقف ، لن تغادر قبل أن تشرب القهوة ، لقد أعددت لك فطورا لكنك تأخرت لهذا سأقدم لك القهوة ، أعددت لك بعض الحلويات التي تحبها ”
حاولت الرفض فلمحت دموعا تتحرك في عينها فتيقنت أني لو ذهبت لانفجرت بعد مغادرتي في البكاء .
كانت عيناها تحمل رسالة عتاب تقول فيها :
” أنت لا تأتي مطلقا و عندما أتيت تذهب بهذه السرعة ؟
هل أتيت من اجل الأغراض فقط ؟ و أنا ؟ ألا يهمك أمري مطلقا ؟!! ”
تنهدت موافقا على دعوتها ، حينها اتصلت بزوجها مدعية سؤالها عن تأخره و أنا أعلم أن اتصالها وسؤالها عن تأخيره مجرد حجة لتخبره عن زيارتي ، كانت تخبره بلهفة و لو استطاعت لاخبرت كل الجيران و الأهل بذلك من فرط سعادتها !
لم أحظ باستقبال كهذا في حياتي ، هل هي مكانتي الكبيرة عندها ؟
أم هي محاولة منها لتعويض أيام غبتها عنها و حرمتها من زيارتي لها ؟
كانت فرحتها كطفلة تحتضن عودة أبيها بعد طول انتظار ، و اهتمامها كأم تحاول تعويض ابنها بحنانها و سرد تفاصيل حياتها دفعة واحدة .
غادرت بيتها بعدها و أنا صغير جدا ، صغير كطفل ولد للتو ، فأنا لا أستحق كل هذا الكرم و السعادة !
كيف تمكنت من تقديم كل ذلك لي و أنا الذي دفنتها منذ سنوات في مقبرة الإهمال و النسيان ؟
غادرت و رغم ذلك ظلت أختي تطل من نافذة غرفتها حتى ابتعدت و تواريت عن أنظارها ، ودعتني و كلها خوف أن تكون آخر زيارة مني لها ،وكأني أسمع نبضات قلبها تقول : “عد لزيارتي مرة أخرى ، عد لزيارتي رجاءً، عد يا أخي فأنا أنتظرك ”
انظر أيها الأخ مكانتك عند أختك انظر كيف تستقبل كأمير عندها وعظم حجمك ومكانتك عندها أيا كانت منزلتك !
حكى لي أحد الأصدقاء أنه عندما يزور أخته بمجرد أن تفتح الباب وتراه أمامها تنفجر في وجهه غاضبة من إهماله إياها وتوسعه سباً ثم ترتمي في حضنه باكية وتقول لا تغب عني !
ثم تحتفل بقدومه بأجمل احتفال وأرقى ضيافة !
رد الفعل هنا مختلف لكنه قلب الأخت
أختك فارقت بيت أبيها الذي كانت فيه مدللة وكنت أنت الرفيق والصديق إذا غبت تتفقدك ولا تبخل عليك بالنصيحة وتقوم على خدمتك غير شاكية ولا منزعجة .. كم عاملتها بقسوة كي تثبت شخصيتك ورجولتك لتشعر أنك رجل حيث لا تجرؤ على ذلك في وجود أبيك الذي تجلس أمامه طفلا مهما كان سنك !
فتتحمل أختك سخافاتك ولا تشكوك بفظاظتك إلى أبيها !
كم نحن مقصرون أيها الرجال في حق أولى الناس برعايتنا وسؤالنا في حين نجد كل الترحاب والحفاوة والحب والتقدير عند تلك المسكينة التي أهملناها عن عمد أو غير عمد .
زوروا بعضكم البعض،اشبعوا من بعضكم ،فلا تدري من سيدفن من،ولاتقطعوا أبدا صلة رحمكم مهما كان السبب حاولوا أن تجدوا دائما الأعذار والتمسوا لأخوتكم سبعين عذرا فإن لم تحدوا فقولوا لعل له عذرا لا نعرفه
الحياة قصيرة وأجمل ما فيها ذلك الدفء العائلي الجميل الذي يشع في النفس الطمأنينة .
ولأهمية ذلك حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم – على صلة الرحم وجعل الله تعالى قطعه من كبائر الذنوب فلا يدخل الجنة قاطع رحم.
مكالمة قصيرة لا تستغرق دقائق تسأل فيها عن أختك أو أخيك قليلة الجهد عظيمة الأثر في النفس فما بالنا بزيارة تحمل الود والمحبة وتشبع تلك العاطفة الجميلة التي أودعها الله في القلوب وهي عاطفة الأخوة والمحبة بين الإخوة .. تفخر بك أختك أمام جيرانها وزوجها وأهل زوجها فتجد لك مكانة ما كنت تتخيلها لمجرد تلك الزيارة !
“ماتحرمش من دخلتك عليا”
كم هي جميلة تلك الدعوة البسيطة التي تقولها الأخت لأخيها كلمات بسيطة تحمل كل معاني الحب
لم تقل “ماتحرمش من عطاياك”
ولا “ماتحرمش من أموالك”
ولا “ماتحرمش من خدماتك”
إنما هي “دخلتك عليها”
وإذا كان (القرد في عين أمه غزال)
فالقرد في عين أخته أسد !
انظر أهمية تلك الخطوات التي تخطوها لأختك وتلك الزيارة التي تشعر فيها باستقبال الملوك مع أنك لست ملكا ولست أميرا ولست حتى رئيس مجلس إدارة ولا حتى مديرا
فقط لأنك .. أخ
هذه مكانتك عند أختك
تأملوها