ومازال الفراعنة يعيشون بيننا !
تسمع في الحارة المصرية شخصًا يسخر من شخص يتطلع إلى أن ينجز شيئًا عظيمًا فيما يفوق قدراته فيقول له “رايح يجيب الديب من ديله” ويصف المصري الشخص شديد الذكاء الذي برع في الحيل والمخادعة والدهاء بأنه (يلعب بالبيضة والحجر)، كما يصف الشخص ذا المكانة العالية بأن له (شنة ورنة) ، وينصح الأب ابنه بالتمسك بالوظيفة الحكومية قائلاً : (إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه) !
فهل تعلم أن هذه الأمثال قالها أجدادنا منذ عهد الفراشعنة ومنذ أن قيلت فمازلنا إلى الآن نستخدمها في حديثنا ! تعالوا معنا نركب آلة الزمن لنعود إلى الماضي السحيق في عهد قدماء المصريين لنتعرف أصول تلك الأمثال وحكاية كل مثل :
جاب الديب من ديله
يقال في أمثالنا المصرية عن الشخص الماهر الذي يأتي بما لم يقدر عليه أحد (جاب الديب من ديله) يعد الذئب منذ القدم رمزاً للقوة والسرعة والتوحش وكذلك المراوغة والذكاء، ومن يستطيع صيده لابد وأن يمتلك قدرات خاصة بدنية وعقلية ومهارة في الصيد تفوق قدرات ذلك الوحش، فما بالك لو استطاع الإمساك به من ذيله ؟! وهي مبالغة في التعبير عن القوة و التمكن .
فهل تعرف من الذي (جاب الديب من ذيله) ؟
إليك المفاجأة ..
إنه توت عنخ آمون ملك مصر العظيم وأشهر ملوك الأرض .. حيث عثر على نقش يظهر فيه توت عنخ آمون يصطاد ذئباً .. من ذيله !
ويعني ذلك أن أصل المثل مصري فرعونى، فحين تقول عن أحدهم (فاكر نفسه هايجيب الديب من ديله) تقصد انه فاكر نفسه في مهارة وقوة أعظم ملوك الأرض (وقتها) توت عنخ آمون !
فلان يلعب بالبيضة والحجر !
في أيام أجدادنا الفراعنة كانت تنعقد مسابقة للشباب لإلقاء البيض، ومن لا تكسر بيضته فهو الفائز، فكان هناك بعض الشاب الماكرين يتحايل على المتسابقين بأن ينحت حجرًا أبيض على شكل بيضة، ويقذفه ولا يكسر؛ ولذلك كان يفوز بالمسابقة ويحصل على الذهب !
ومن هنا كانت قصة مثل الشعبى “يلعب بالبيضة والحجر” كما سمعناها من جدودنا، وهذا يفسر وجود حجارة على هيئة بيضة في مقابر الفراعنة، ومازالت تلك البيضة الحجرية المخادعة تباع حاليا في خان الخليلي وبازارات الأماكن السياحية .
فلان له شنة ورنة .
عندما يصف المصريون شخصا ما بالنفوذ وعلو المكانة وعظم الشأن يقولون عنه إن له (شنَّة ورنَّة) فما أصل المقولة؟
بالرجوع إلى مؤرخي العصر الفرعوني فإنهم يحكون لنا أن كلمة “رِن” بكسر الراء، كلمة مصرية قديمة وتعني الاسم، وبما أنهم آمنوا بعقيدة البعث والخلود فإنهم كانوا يعتقدون أن أحد الوسائل التي يحوز بها المتوفى الخلود أن يكون له اسم، كما دلت النقوش في المقابر الملكية على أن الروح تتعرف على الجسد في العالم الآخر من خلال الاسم، وبلغ اعتقادهم بهذا أنهم كانوا إذا أرادوا الانتقام ممن سبقهم من الملوك يلجأون إلى طمس أسماء الملوك كما فعل تحتمس مع حتشبسوت من معبدها حتى يحرمها من الأبدية !
أما كلمة “شنة” فهي مشتقة من الكلمة المصرية القديمة “شن” التي تعني الأبدية، وكانت ترسم على شكل قرص الشمس المشرق على الأرض وبإضافة كلمة “شن” إلى كلمة “رن” تنتج مصطلحا مصريا قديما يعني صاحب الاسم الشهير.
وهناك من قال إن “شن” أصلها الفرعون “سن سن” التي تعني “يرن” للدلالة على أن الاسم له وقع على الأذان، وأن مقامه عال، أما كلمة “رنة” فهي مأخوذة من الكلمة القبطية “رانا” التي تعني صيحة الإعجاب، فيصبح معنى “شنة ورنة” إعجاب بالمقام العالي، وهو ما نعنيه الآن بـ (شنة ورنة)
وفي كلتا الحلتين فإن المثل يعود إلى قدماء المصريين .
إن فاتك الميري.. اتمرغ في ترابه .
أما المثل القائل : “إن فاتك الميري؛ اتمرغ في ترابه” للدلالة على أهمية المحافظة على الوظيفة الحكومية فإن أصله يرجع إلى عصر الاحتلال الروماني لمصر حيث كانوا يجبرون ،المصريين على زراعة (المير) وهو القمح وينهبون المحصول فينقلونه إلى روما، ويسرع المصريون ليأخذوا بعضا من المحصول من المخازن قبل نقله إلى الخارج، أما المصري الذي يتأخر عن موعد نقل الغلال من المخازن إلى السفن لا يأخذ نصيبه، وفي هذه الحالة لم يكن أمامه إلا أن يتمرغ “يبحث” في التراب أمام المخازن علّه يجد قمحا قد سقط في التراب!
هكذا تحكي لنا قصة المثل الشهير؛ وإن كان المصري الحديث قد حرف كلمة (المير) القمح إلى “الميري” أي الحكومي وأصبح دالا على حب المصريين وتقديسهم للوظيفة الحكومية.
وفي الحقيقة فإن المصريين بطبعهم منذ أيام الفراعنة يفضلون العمل الحكومي على العمل الحر نظرا لما يتمته به الموظفون في البلاط الملكي الفرعوني أو المعابد من مكانة ونفوذ ومرتب مرموق .