كثيرا ما ينخدع البعض بما حققه من شهره أو جاه أو منصب فتناسى أن صحته وحياته مهما سلمت أو طالت فهي إلى ضعف ثم زوال ، فمن عظيم حكمة الله في خلقه للبشرية أن حياة البشر تبدأ بعوامل بناء سواء للجسم أوالعقل حتى منتصف أعمارهم لتتحول بعد ذلك عوامل البناء لعوامل هدم فهذه قوة الشباب آلت إلى ضعف وهرم وهذه استقامة البنيان قد تحولت إنحاء في الجسد وضعف للبنية
وكثيرا ما يحيا الإنسان مخدوعا بصحته وشبابه أو جاهه وسلطانه ولعل أصحاب الشهرة والجاه أشد خداعا وغفلة من غيرهم ولنا في معظمهم العبرة والمثل، فهذه الأحداث تخبرنا ولا تنبؤك مثل خبير
– ففي عالم الشهرة والمجد عاش البعض حياة العبث والغفلة ولم يعبأ بتوالي الأيام و السنين حتى فاجأه قطار العمر بعد مغادرته لمحطة والشباب والصحة وصولا إلى محطة الكهولة والضعف ، فهذه الأحداث تطالعنا بقصص وحكايات بتا الكثير والكثير من العبر
* فهذا مطرب شغل الأفئدة قبل الأسماع حتى أنه أحيانا ما يرسل ” رسله من تحت الماء ” فطغت شهرته وطاولت السحاب فلا صغير أو كبير إلا ويعرفه ويهفو لسماع أغانيه ورغم كل ما حقق إلا أنه كان وحيد مرضه تكاد آلامه وصرخات أوجاعه تصم الآذان وكأنه كان ” خلي القلب ” فهذه كبده المتهالك جراء أصابته منذ صغره بالبلهارسيا والتي جعلته حبيس النزيف الدائم الذي لا يتوقف والغريب أن حياته وسيرته كانت حلما يداعب مخيلة كل حواء رغم أن حقيقة حياته ومرضه كانا كابوسا يورق يقظته قبل منامه حتى كانت اللحظات الأخيرة والتي فارق فيها أرض الوطن بجسده وروحه في رحلة هي الأخيرة من سلسلة رحلاته العلاجية ليعود جسدا بلا روح بعد أن فارق دنيانا ليذهب كل شىءولم يبق من رحلته في دنيانا سوى صوته الذي نسمعه عبر أغانيه
* وهذا فنان شهير لقبه الكثيرون ” دنجوان السينما المصرية” بدأ حياته ” بالرجل الثاني ” لكنه سرعان صار صاحب ” الزوجة 13 ” حتى قالت عنه إحدى الممثلات بجرأة تصل حد الوقاحة ” المرأة التي لم تتزوجه لم تتزوج ” فإلى أي محطة وصلت نهاية رحلة هذا الفنان و الذي كثيرا ما حلمت وتمنت نساء عصره أن يكون لهن رفيقا ، ها هو في أخريات حياته يصاب بمرض ” سرطان المخ ” ليذهب عنه كل شيء وتتبدل ملامحه وتضيع وسامته والتي لم يبق منها إلا شبح إنسان طريح الفرش ليس له ونيس ولا جليس إلا آلامه وأوجاعه حتى حانت لحظة فرق بعض ما له إلى كل ما عليه
* ولو تركنا عالم الشهرة إلى عالم السياسة والسلطان لكان لنا فيها نصيب من الحكايات فهذا رجل شغل عالم السياسة وتقلد كل أرفيع المناصب حتى أصبح زعيما للأغلبية في المجلس النيابي والمدافع الأول عن الحكومة وحزبها لقبه البعض ” داهية السياسة ” ولفرط ما وصل نفوذه صار الجميع يخشاه داخل المجلس وخارجه حتى الوزراء يعملون له ألف حساب حتى صار ” سيد قراره ” فإذا به في أخريات أيامه يعانى من آلام المرض والذي فشلت معه محاولات الأطباء سواء بالداخل أو الخارج فها هي أحواله قد تبدلت فلم يعد هو هذا الشخص المعروف بجبروته وهيمنته بعد أن أصاب النحول والوهن جسده وهزمت شيخوخة المرض الفاتك قوته فهذا صوته ونبراته والتي كانت تجلل قاعة المجلس تتحول إلى همهمة لايسمع منها إلا همس وتلك ملامحه الحادة قد ترهلت وانطمست معالمها خلف وجه لا يعبر إلا عن شخص هزمه المرض وحوله لهيكل إنسان لتكون النهاية ليفارق المنصب والجاه والسلطان فلم يعد سوى ذكرى لا يعيها إلا كل عاقل متعظ
تلك أمثلة قليلة من كثير ولو أمعنا النظر في حياة المشاهير وأصحاب الجاه والسلطان وكيف كانت نهايات أكثرهم لحمدنا الله أن أبعد شرورها عنا، فرب شهرة أو جاه في الدنيا لم يجن أصحابها منها سوى الندم يوم لا ينفع