بقلم /فاروق شوشه.
رحل الكاتب الكبير يوسف الشارونى، عن عمر يناهز 93 عامًا، وهو مواليد 1924 حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة عام 1945، وكان رئيسًا لنادي القصة بالقاهرة من 2001 إلى 2006 ثم رئيس شرف النادي، وعضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ولجنة الأدب بمكتبة الإسكندرية، وكان عضوًا في هيئة تحرير مجلة المجلة بالقاهرة وأستاذًا غير متفرغ للنقد الأدبي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة
ومن أهم أعماله العشاق الخمسة 1954، ورسالة إلى امرأة 1960 الزحام 1969، وحلاوة الروح 1971، ومطاردة منتصف الليل 1973، آخر العنقود 1982، الأم والوحش 1982، الكراسي الموسيقية 1990، رحم الله صديقي الكبير يوسف الشاروني الذي اقتربت منه طوال 25 عاما الماضية وأعددت عنه كتابًا بعنوان: يوسف الشاروني عمر من ورق .. الله يرحمه برحمته الواسعة … اللهم آمين.
وعن هذا الكتاب كتب الشاعر الكبير فاروق شوشه في جريدة الأهرام 9 أغسطس 2009 قائلا:
……………………………….
يوسف الشاروني.. عمر من الورق
بقلم : فاروق شوشة
تحت هذا العنوان صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا الكتاب الذي يضم عددا من الحوارات والمقالات والدراسات التي أعدها الروائي والكاتب الصحفي خليل الجيزاوي, لتصبح وثيقة بالغة الأهمية والدلالة علي العالم الإبداعي الرحب للكاتب الكبير يوسف الشاروني في مناسبة العام الخامس والثمانين من عمره المديد الحافل إن شاء الله.
ويوسف الشاروني ظاهرة أدبية متفردة وعالم شديد الخصوصية من الإبداع القصصي اكتملت صورته وقيمته بكثير من كتاباته النقدية التي تميزت بمذاقها الخاص, ونفاذ بصيرة صاحبها في الأعمال الأدبية التي تناولها بالتحليل والدراسة, متكئا إلي حسه الإبداعي المجرب ووعيه المعرفي المترامي الأطراف.
في تقديمه لكتابه, يرسم خليل الجيزاوي صورة من قريب ليوسف الشاروني, وهي صورة تتوهج بروح المحبة والتقدير, والإفادة من الصحبة الإنسانية العميقة التي جمعت بينهما وبخاصة بين عامي2005 و2008, عندما كان الشاروني رئيسًا لمجلس إدارة نادي القصة والجيزاوي عضوًا في هذا المجلس، وهو يري في الشاروني مبدعًا تجريبيًا كبيرًا طوال مشواره الإبداعي, مثلت قصصه منعطفا مهما في تطور القصة القصيرة, واستحداث طرق جديدة لها واستشراف آفاق لم تكن مطروقة من قبل. كما يري فيه رائد مدرسة أدبية تجريبية صارت تعرف باسمه, وهي المدرسة التعبيرية في القصة القصيرة التي بدأ كتابتها منذ أربعينيات القرن الماضي.
ويفصل الجيزاوي عناصر هذا التقييم وهو يشير إلي استخدام الشاروني مفردات التجريب في مختلف عناصر القصة, فهو يعتمد ـ في ناحية البناء ـ علي تفتيت الحدث القصصي وتشريحه وعلي التزامن بين الأحداث, كما يظهر المكان بوصفه دالا علي الشخصية التي تتخذ الكثير من سماتها عبر جدلية بين الأنا التي تعبر عن داخل الشخصية, والخارج أو المكان الذي توجد فيه. الأمر الذي يظهر علاقة المكان والزمان عند تثبيت سرعة النص فيكون وصف المكان في حيزه الضيق دقيقا وعندما يظهر الاسترجاع فإن المكان يتسع عبر تذكر الشخصية. وظهرت تقنيات التجريب في طرائق السرد واللغة في قصص الشاروني.
الأمر الجدير بالإشادة هو ما قام به كاتب قصصي وروائي هو خليل الجيزاوي لقامة كبيرة في مجال السبق الإبداعي والريادة فيه. وهي روح لم تعد مألوفة في زماننا الذي امتلأت فيه قلوب كثيرة بمشاعر عدوانية تقوم علي عدم الاعتراف والضيق بالآخر والعمل علي طمس دوره وتأثيره, فما بالنا إذا كان هذا الآخر ـ كالشاروني ـ في مقام الأستاذية والتأثير العميق في أجيال عدة مارست الكتابة القصصية من بعده وبخاصة انطلاقة جيل الستينيات وما تلاها من تيارات قصصية. كما أنه ـ علي مساحة أكثر من نصف قرن من الزمان ـ يظل هو وسمية يوسف إدريس العلمين البارزين في مجال هذه الريادة بالنسبة للقصة القصيرة, مع اختلاف كل من اليوسفين لغة وطريقة وأسلوبًا ونهجًا إبداعيًا وفكرًا سياسيًا واجتماعيًا.
من بين الأبحاث والرؤى النقدية التي يتضمنها هذا الكتاب الجديد يوسف الشاروني: عمر من الورق ما كتبه النقاد الأساتذة أحمد درويش وحامد أبو أحمد وأماني فؤاد وأمجد ريان وكمال نشأت وعزة بدر وهيثم الحاج علي وحسن فتح الباب وحلمي القاعود وعبد المنعم أبو زيد ومحمد قطب وأميمة جادو ومعاذ رياض وإبراهيم عوض وعبد الله أبو هيف وماهر شفيق فريد ومحمد علي سلامة وآخرون, كل منهم أطل علي تخوم هذا العالم الإبداعي الراحب من زاوية معينة, وبواسطة منهج كاشف معين ففي رأي ماهر شفيق فريد ـ مثلا ـ وهو الذي ركز علي تناول يوسف الشاروني ناقدا, أن الشاروني قد جمع بين الثابت والمتحول, بين القيم الإنسانية الباقية والتجديد الفني المتطلع دائما إلي الإغارة علي الحدود.
فالشاروني ـ في كلمة ـ هو الحداثة الكلاسيكية المحدثة, شأن في ذلك شأن عمالقة غربيين جمعوا بين التجديد والوعي بالموروث, مثل براك في التصوير وإليوت في الشعر وسترافنسكي في الموسيقي, وهو في رأيه من أقدر من حققوا التوازن في أدبنا الحديث, بين عناصر الموروث الحي وقوي التمرد البصير, فهو إذن الثائر المبصر في رأي ماهر شفيق فريد, وهو عشماوي التشبيه كما يقول أحمد درويش نقلا عن يحيي حقي بسبب قلة استخدام الشاروني للتشبيه في كتاباته القصصية. بينما تعبر أماني فؤاد وهي تكتب عن جدلية الواقع والفن في مجموعته القصصية الكراسي الموسيقية عن افتقادها لخيال قد انفلت من قيد الواقع ومجاز صافح التغريب وصور تجاوزت المألوف.
وسيظل الكاتب الكبير يوسف الشاروني وعالمه الإبداعي الرحب مجالا لدراسات وكتابات نقدية لا تتوقف, كما لم يتوقف الاهتمام بمتابعته ـ عند القراء والدارسين ـ منذ انطلاق مجموعته القصصية الأولي العشاق الخمسة عام1954.