القضية لسيت قضية تنظير علي أحد ، باعتبارنا نحن الأصحاء وباقي خلق الله مرضي ، ولكنها استعراض لحالة مرضية ، قد يعاني كل واحد منها بدرجة أو بأخري ، والعلة وراء هذا الإستعراض أنها لا تمثل حالة فردية منفصلة ـ بغض النظر عن أعدادهم ـ ولكنها تمثل فئة بشرية محددة بكتلة ، برزت علي سطح المجتمع المصري ، في مرحلة التيه السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، خلال النصف قرن الأخير . هذه الكتلة في أحد أجنحتها هي الجماعة السلفية ، وفي القلب منها حزب النور السلفي . والإشكالية لدي هذه الكتلة أنها قد اتخذت من الدين الإسلامي ـ في تصورها ـ مرجعية فكرية . مع أن المجتمع ـ شاء أم أبي ـ مرجعيته الفكرية إسلامية في الأساس ، وحتي الروافد الفكرية الأخري التي تفد عليه ، يتم تناولها والتعامل معها ، بمقتضي المرجعية الأم . وهذه الكتلة حين أعلنت مرجعيتها ، إنما أعلنتها من باب التميز ، والتفرد ، والبروز ، حتي تبز عن المجتمع وتعلوه ، وتكون لها من المكانة ما يمنحها سلطة زمنية علي الناس والمجتمع . وهذا ليس له علاقة بالدين الإسلامي الذي ينهض علي حالة التوافق ما بين داخل الإنسان وخارجه ، أي أن يكون المرء مستقيماً مع نفسه . أما أن يستقيم المظهر دون أن يستقيم الجوهر ، أو يستقيم الشكل دون استقامة المضمون ، فهذا ليس من الإسلام في شيء . ويصبح الإنسان بذلك مُصَدِّراً لبضاعة مغشوشة بغبش نفسه ، واعوجاجها ، علي أنها الدين الخالص . ومن هنا يكون مكمن الخطر علي الدين ، وعلي المجتمع . والمشاهد علي أرض الواقع أن مسالك هؤلاء القوم سواء فرادي أو جماعات محل نظر . لأنها في الأصل مسالك برجماتية نفعية خالصة ، يلتجئون إلي الدين فيها باعتباره مطية يمتطونها لتصل بهم إلي أغراضهم . وقد ظهر ذلك فور بروزهم علي سطح الحياة السياسية في مصر في أعقاب ثورة يناير . حتي أنك قد تلاحظ ذلك بلا عناء فيما بينهم وبين أنفسهم من تكالب علي الغنائم . وإن شئت فاسمع إلي أرائهم في بعضهم البعض حين يختلفون ، إذ تلحظ فجرهم في الخصومة . فإذا كان الفصام هو اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي ، ومن أعراضه اضطراب الفكر ، والهلاوس السمعية ، وانخفاض المشاركة الإجتماعية ” الميل إلي العزلة ” ، واضطراب القلق ، والإضطراب الإكتئابي . فتلك الأعراض في معظمها لا تخطيء أعضاء هذه الجماعات . ولعل مظاهر هذه الأعراض تستعصي علي الحصر . وآخرها تلك المفارقة الواضحة ـ وضوحاً زاعقاً ـ في موقف الحزب وشيوخه من أصحاب الديانات الأخري ، وخاصة المسيحية واليهودية . ففي الوقت الذي هاجم فيه شيوخ الدعوة السلفية إقرار مجلس النواب لقانون دور العبادة ، الذي ينظم بناء الكنائس في مصر ، بدعوي أن مصر دولة اسلامية ، وأن هذا يتعارض مع ذاك ، تجد أحد مسئوليهم ـ بحسب يديعوت أحرونوت ، يلتقي بأحد الحاخات اليهود ويدعي ” يعقوب نجان ” ، من بين عدد من الشخصيات الإسرائيلية الأخري . الأدهي من ذلك والأمر ، هو قيام هذا المسئول بدعوة هذا الحاخام لزيارة مصر ، بزعم : ” التقارب بين الأديان ” . وقد التقي الحاخام الإسرائيلي ـ أثناء زيارة الوفد الإسرائيلي لمصر ـ بأحد قيادات حزب النور ، وقد كان عضواً سابقاً بالبرلمان المصري . وقد قام هذا الحاخام ـ مبادراً ـ بنشر صور اللقاء . دعك من التفاصيل المغرقة التي لا تستبين فيها مواضع الأقدام ، ولكن انظر إلي الهدف العام . حزب سياسي مصري له مرجعية اسلامية كما يزعم ، ويُصَدِّر لأتباعه ومريديه هذه الصورة الإنطباعية ، التي تضمن تبعيتهم وولائهم ، يدعو الإسرائيليين الصهاينة إلي لقاءات تستهدف إحداث التقارب بين الأديان ـ ولاحظ أن دعوة حوار الأديان دعوة أزهرية في الأصل ـ وفي ذات الوقت يأتي كل ما من شأنه إقصاء المسيحيين داخل المجتمع المصري ، سواء في الآراء أو الفتاوي أو التصرفات . مع أن الأقربون أولي بالمعروف ، والمسيحيون هنا أقرب زماناً ومكاناً ، فأقرب الديانات زمنياً للإسلام هو الدين المسيحي ، وأتباعه يعيشون بين ظهرانينا . كما أنه ليس بيننا وبينهم قضية لم تحل ، وهي قضية وطن تم إفراغه من أهله ، ليسكن فيه صهاينة قاموا باغتصابه عنوة . إذن ما هو المبرر لهذا المسلك المعوج سوي البرجماتية السياسية ، التي دفعتك إلي إخفاء موقفك الشرعي وراء ظهرك ، مسربلاً دعوتك بأردية الدين . فأنت مدرك أن إسرائيل هي رأس الحربة ، في مخطط تقسيم الشرق الأوسط ـ سايكس/ بيكو الجديدة ـ والتي فشل الإخوان في لعب دورهم فيه ، فتقدم نفسك كبديل لهم ؟ ! . ولا مانع أن يكون الغطاء هو التقارب بين الأديان . ليس معني هذا أننا نتخذ موقفاً عدائياً من أي من الدينين الكبيرين ، والإسلام لا يعرف هذه العدائية ، ولا يدعو لها ، ولا يوجد من بين أتباعه من يزايد عليه في هذه الناحية .