الطلاق مشكلة مجتمع مما لا شك فيه أن ظاهرة الطلاق من الظواهر الاجتماعية التي استفحل أمرها، وانتشر خبرها، وتطاول بنيانها، وأحرقت كثيرا من البيوت المصرية بنارها، وأذقتهم من ويلاتها وشررها، فكم من بيوت شرد أهلها، وتلطمتْ بحار أمواجها، وبكى صغارها وكبارها، فضلا عن قضاياه التي تملئ المحاكم بضجيجها،
وأرحام وصلها الزواج فأمعن في تقطيعها؛ لهذا وغيره كان الطلاق داء العصر خاصة في مصر، حيث ترتفع معدلاته جدا في هذا المصر، فما السبب يا ترى في انتشارها؟ ولماذا تطاولت وتعاظم أمرها؟ والذي أراه أن ذلك لأسباب عدة، مترابطة كترابط سلسلة الحلقة، فمن ذلك: الأمية الثقافية التي تسود المجتمع، وضعف الجانب الفكري،
وتدهور الجانب الأخلاقي، مع أن الله رفع من شأن العلم والعلماء فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، ومدح نبيه – صلى الله عليه وسلم- لأخلاقه الكريمة فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، فما بال الناس لا يقتدون بأخلاق النبي، ولا يأخذون العبرة من صديق أو وليّ، ومن أسبابها بروز الانتماءات الحزبية، وظهور العصبية الجاهلية، والتي تستحيل معها العشرة الزوجية،
ومنها تسلط أحد الزوجين في انفراده بالقرارات، ولا يرجع إلى الآخر في الأمور والتوجيهات، ومنها التدخل العنيف من الأهل في شئون البيت، أو تخليهم عنهما عند حدوث الشقاق والبين، ومنها الإدمان والمخدرات، والعطلة عن القيام بالوظائف والأعمال، ومنها كذلك العلاقات المحرمة،
وضعف أحد الطرفين وقصوره في إشباع رغبات صاحبه، والغيرة غير المبررة والتي توشك أن تقتل البيت وتدمره، وأهم من ذلك قلة الدين، وضعف الوعي الثقافي بين المتزوجين، كما تساهم الأوضاع الاقتصادية،
ووسائل الاتصالات السمعية والمرئية، والصحبة غير السوية أو المرضية. نعم ثمت نصوص كثيرة أفادت مشروعية الطلاق وجوازه من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأفعال الصحابة مع انعقاد الإجماع؛ بيد أن الطلاق في الحقيقة تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فأحياناً يجب، وأحياناً يستحب، وأحياناً يباح، وأحياناً يكره، وأحياناً يحرم. وقد وردت أحاديث في التنفير من الطلاق أكثرها ضعيفة،
كحديث: (الطلاق يهتز له عرش الرحمن) ، وحديث: (لعن الله الذواقين والذواقات) ، وحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، والثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في مسألة ذم الطلاق ما أخرجه مسلم في صحيحه: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ” قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ») صحيح مسلم (4/ 2167) ،
فهذا الحديث يصلح للاستشهاد به على ذم الطلاق والتنفير منه. وقد يندب الطلاق عندما تستحيل العشرة، ويخاف أحدهما ألا يقيم حدود الله كما قال تعالى: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ” [البقرة:229]، وقال سبحانه: “وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ” [النساء:130] ، .فالساعي حينئذٍ بالتفريق لعله يؤجر، كالساعي في الإصلاح أو في التزويج. وعلاج مشكلة الطلاق يكمن بشكل عام في مشروع ثقافي توعوي، يقوم به العقلاء والمفكرون، وأهل الإصلاح والدين، بعد وضع دراسة جدوى قوية، ورعاية من الدولة الفتيّة، ويساهم الإعلام فيه بمؤسساته، ويتحد مع الأزهر والأوقاف وغيرهما ممن يهتم بذلك،
ثم تنتشر القوافل في أنحاء مصر وتسير، تثقف المجتمع بآداب الزواج وأمور البيت، كما تحث الآباء على تيسير الزواج، وكيفية معالجة المشاكل والأخطار، ولابد من قيام الدولة بدورها في توفير فرص العمل، وتحسين الدخل للموظفين وخفض قيمة السلع، ولا بأس من تكثيف المحاضرات والخطب، وتقديم النصائح للمتزوجين وتعظيم شأن الأسر، وتقديم أفلام مناسبة تعالج المشاكل الاجتماعية وتكون على الدوام، وخلق بيئة مجتمعية حاضنة لمكارم الأخلاق،وتوجيه الشباب إلى معايير الاختيار المتينة، وأن يعاملها بالإحسان والمعروف،
وأن لا يترك المشاكل تتراكم وتكبر، وعليه أن يستوصي بها خيرا فقد أوصى بذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقال :استوصوا بالنساء خيرا) متفق عليه)، كما يجب عليه أن يحكم شرع الله ودينه عند الاختلاف، ولا يفعل فعلة الطغاة الجهال، وهي مأمورة كذلك بحفظ فرجها، وصيانة عرضها، وحفظ بيتها، وصيانة مالها، والسمع والطاعة لزوجها، وأن تعامله كما تعامل نفسها، فما هي بعد الزواج إلا هو. وخلاصة العلاج من وجهة نظري يتمثل في أمرين: ثقافة ووعي، وتحسين الدخل والوضع.