الدكتور عادل عامر
تعتبر سلطات الضبط في المجال الاقتصادي أو ما يعرف بسلطات الضبط الاقتصادي مؤسسات جديدة من مؤسسات الدولة المصرية أصبحت منوطة بمهمة الضبط في جميع النشاطات ذات البعد الاقتصادي،
فبعد أن تميز النشاط الاقتصادي المصري لفترة من الزمن بهيمنة الدولة وسيطرتها على كل الجوانب، فأصبح من الضروري إعادة النظر في الوظائف وتكييفها بصورة جديدة تتأقلم مع التطورات الداخلية والخارجية،
ليبرز دور الدولة من الدولة المسيطرة إلى الدولة الضامنة، وأصبحت بذلك السلطات الإدارية المستقلة الفاصلة في المواد الاقتصادية والمالية العمود الفقري للضبط الاقتصادي في مختلف المجالات وما زاد من فعاليتها الحوكمة كأداة لإنعاش الاقتصاد. علما أن الحوكمة من مصطلحات الحكم الراشد الذي ظهر في فرنسا في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح الحكومة، وقد تعددت تعريفات الحكم الراشد نذكر منها:
تعريف البنك الدولي: طرح هذا لأول مرة في أدبيات البنك الدولي عام 1989 في دراسة له عن الأزمة الاقتصادية حيث عرفه بأنه ممارسة السلطة السياسية لإدارة الشؤون الخاصة بالدولة كما عرفه سنة 1992 بأنه عملية التسيير والإصلاح المؤسساتي المتعلق بالإدارة وباختيار السياسات وتحسين مستوى التنسيق وتقديم الخدمات في المرافق العمومية، باستخدام الأساليب السلمية وروح المسؤولية والشفافية للوصول إلى نتائج الأهداف المسطرة وتحقيق التنمية المستدامة.
تعريف صندوق النقد الدولي: عرفه بأنه الطريقة التي تسيير بها السلطة الموارد الاقتصادية والاجتماعية لخدمة التنمية وذلك باستخدام طرق فعالة في التسيير في أقل التكاليف وتحقيق أكبر المنافع.
تعريف هيئة الأمم المتحدة: وممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون المجتمع على كافة المستويات، ويضم الآليات والمؤسسات والعمليات التي من خلالها يستطيع الأفراد والجماعات التعبير عن مصالحهم وممارسة حقوقهم القانونية والوفاء بالتزاماتهم وحل خلافاتهم.
لكن هذا لا يمنعنا من ذكر بعض المزايا الإيجابية التي حققتها الجزائر للوصول إلى مفهوم الحكم الراشد خاصة من الناحية الاقتصادية. رغم الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد نظرا لانخفاض سعر البترول.
كما يمكن تسجيل بعض المشاريع الواعدة في تنمية المناطق المعزولة منها على الخصوص مشروع طريق السيار شرق غرب، وصندوق تنمية مناطق الهضاب العليا وصندوق الجنوب. وتجدر الإشارة إلى أهمية الفكرة الجوهرية التي مفادها علاقة الضبط الاقتصادي بالحكم الراشد من وجهة نظر قانونية وتبرز الدراسات أهمية كل من الضبط الاقتصادي وكذا الحكم الراشد في المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، واحترام قواعد السوق المتمثلة في العرض والطلب من أجل تحقيق الشفافية الاقتصادية، والدور الكبير للحكم الراشد باعتباره يمثل الإجراءات والأساليب التي تمارس بها السلطة لأجل تسيير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد بغية التنمية. ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية إلا بالحكم الراشد الذي يتضمن حكما ديمقراطيا فعالا ويستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية. ليس هذا فحسب بل والحفاظ على آفاق تنموية رحبة في المستقبل عبر ضمان خاصية الاستدامة. كما تجدر الإشارة إلى أهمية كل من الضبط الاقتصادي والحكم الراشد في البناء القانوني والاقتصادي للدولة، من خلال بيان عمق التكامل بين هذين المفهومين وتحقيق جملة من الأهداف نذكر منها:
-بيان الدور الفعال الذي تلعبه سلطات الضبط الاقتصادي في ضبط السوق.
-تكامل كل من الضبط الاقتصادي والحوكمة الاقتصادية في تحقيق ورفع مستوى الكفاءة الاقتصادية. محاولة إيجاد تأصيل نظري لمختلف المفاهيم المتعلقة بالموضوع مثل الضبط الاقتصادي، الحكم الراشد، حوكمت الشركات، في محاولة لإيجاد العلاقة بين هذه المفاهيم المتقاربة والمتباعدة أحيانا أخرى.
نتيجة للتفاعلات الاقتصادية والقانونية الحديثة الكثيرة والمتداخلة ومحاولة لفهم العلاقة التفاعلية بين مفهومين متباعدين نوعا ما على المستوي الأكاديمي، هي من الدوافع الذاتية التي دفعتنا إلى تناوله وأبرزت الدوافع الموضوعية كونهما يؤديان وظيفة التنظيم للحياة الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الدولة.
أن الضبط الاقتصادي ليس حكرا على العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير كذلك موضوع الحكم الراشد وحوكمة الشركات أصبح دراسة تتشارك فيه كل العلوم بما فيها العلوم القانونية والإدارية التي بدورها تضبط مختلف العلوم الأخرى من خلال الإطار القانوني الشامل لهذه الأخيرة. لكننا من ناحية حكم القانون فلا يمكن الجزم
بأن هذه الآلية مطبقة بحذافيرها حيث مازالت العلاقات في منح المشاريع ذات الطابع الاقتصادي للشركات العمومية والخاصة من جهة ومن جهة أخرى مراكز متخصصة في إصدار ونشر بيانات حول ما تتوفر عليه مصر، وحق المواطن في الاطلاع على المعلومات، فمازالت مصر بعد لم تصل إلى هذا المستوى من التنمية.
ومن أجل تكريس التناسب والتجانس بين المنهج والموضوع. فقد استدعت الدراسة توظيف مجموعة من المناهج والمقاربات العلمية في إطار توليفة متكاملة عبر حقول معرفية متعددة. فإنشاء هذه السلطات الخاصة بالضبط الاقتصادي أدى إلى ظهور فرع قانوني جديد في القانون الاقتصادي الجزائري وهو ما يمكن أن يصطلح عليه قانون الضبط والذي يضم إضافة إلى قواعد السوق مجموعة القواعد الخاصة بأدوات الضبط القطاعي.
الضبط الاقتصادي هو الأداة القانونية اللازمة لإقامة التوازن في كافة الجوانب الاقتصادية؛ فهو المعيار التوازني الذي يضمن تحقيق المنافسة الشريفة في جميع المجالات الاقتصادية؛ كما أنها ركيزة أساسية للتأكيد على انعدام تحقيق ما يسمى بقانون الغاب الذي يسمح فيه للقوي بأكل الضعيف؛ من هنا نجد أن كثيراً من الأنظمة والتشريعات التي ظهرت لتضبط قطاع معين وتنظيمه لضمان استقراره وعدم اختلال توازنه؛
وهو بحسب نظرية القانون الاقتصادي بمثابة التأطير بصفة دقيقة ومستمرة للنشاط الاقتصادي المحدد المعين حتى لا يطغى منطق السوق على المصالح العليا للمجتمع، أما سلطة الضبط فهي تتمثل في أعمال الجهة المشرفة على تطبيق هذه الأداة.
ولم تغفل الأنظمة لدينا مطلقاً هذا الجانب من تحقيق سلطة الضبط الاقتصادي للجهات المختصة بها لضمان تحقيق العدالة والمصالح العليا للمجتمع، فلو تأملنا نظام المنافسة لوجدنا أنه نص في مادته الأولى على (المادة الأولى: يهدف هذا النظام الى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة). ولو تأملنا نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد لوجدنا أنه نص في مادته الثانية على (المادة الثانية: يهدف النظام إلى الآتي:
1-تنظيم الإجراءات ذات الصلة بالأعمال والمشتريات، ومنع استغلال النفوذ وتأثير المصالح الشخصية فيها؛ وذلك حماية للمال العام.
2-تحقيق أفضل قيمة للمال العام عند التعاقد على الأعمال والمشتريات وتنفيذها بأسعار تنافسية عادلة.
3-تعزيز النزاهة والمنافسة، وتحقيق المساواة، وتوفير معاملة عادلة للمتنافسين؛ تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص.
4-ضمان الشفافية في جميع إجراءات الأعمال والمشتريات.
5-تعزيز التنمية الاقتصادية.) ولو تأملنا نظام السوق المالي المصري لوجدنا أن أهم عناصره هي حماية المواطنين والمستثمرين من الممارسات غير العادلة أو غير السليمة.
ولا يختلف ذلك العنصر الأساسي والهام عنه في جميع أنظمة الضبط الاقتصادي في مصر ويقاس عليها سائر الأنظمة ذات العلاقة بالاقتصاد كأنظمة مكافحة التستر التجاري وأنظمة مكافحة الغش التجاري وأنظمة المصارف وأنظمة التأمين وجميع الأنظمة المرتبطة والمتعلقة بالاقتصاد الوطني سنجدها تنظم سلطات وصلاحيات جهات الضبط الاقتصادي في مصر؛ فجميع أشخاص سلطة الضبط الاقتصادي يعملون تحت إطار تحقيق الضبط والتنظيم وتحقيق الحماية للمصالح العليا للمجتمع ككل.
ولو تأملنا هذه الأنظمة – أنظمة الضبط الاقتصادي -بعمق لوجدنا أنها دوماً ما تعمل على تحقيق معيارين هامين لتنظيم ذلك القطاع من قبل الجهات المعنية بتنظيم من خلال إنشاء وظيفتين أساسيتين لهذا القطاع، الوظيفة الأولى وهي الوظيفة الوقائية الإدارية التي تقوم على فكرة الضبط الاقتصادي لتحقيق التوازن بين متطلبات القطاع الاقتصادي وتطوراته المستمرة؛ وبين ما يتناسب مع توجهات الدولة وهدفها المستقبلي،
ولهذا يكون له وجهان أساسيان ألا وهما الطابع التنظيمي من خلال سن اللوائح التنظيمية أو التنفيذية والطابع الرقابي من خلال فرض وسائل الرقابة والتحقيق ومكافحة المخالفات التي تقع لهذا النظام أو اللوائح المنبثقة عنه.
أما الوظيفة الثانية لأنظمة الضبط الاقتصادي فهي الوظيفة القضائية أو التحكيمية وهو المتمثل في إنشاء لجان أو هيئات شبه قضائية تهدف لتحقيق الهدف الثاني لسلطة الضبط الاقتصادي ألا وهي ضمان حماية المصالح العليا وأطراف القطاع المراد تنظيمه وإعطاء كل ذي حق حقه؛ وتتجسد هذه الوظيفة في اللجان شبه القضائية، التي أقر لها النظام صلاحيات النظر في المخالفات التي تقع على هذه الأنظمة إلا أنها تفتقر الى عقوبة مهمة هي تلك التي تمس حريات الأفراد.
للنظر في الشق الجنائي؛ كما أن إيجاد قانون موحد للعقوبات سيسهم كثيراً في الربط بين جميع الجرائم الاقتصادية والجزاءات والعقوبات المناسبة لها والعمل على القضاء عليها من جذورها، فدوماً ما تكون الجريمة مرتبطة بجرائم أخرى مختلفة عنها كما أن لهذه المخالفات أضرار جسيمة باقتصاد الوطن ومصالحه ومصالح المجتمع؛ وقد يلاحظ القارئ أن خير مثال على ذلك هو بعض حالات التلاعب في الأسواق المالية واستيراد او تصنيع او ترويج بعض السلع التجارية المغشوشة وحالات التستر التجاري التي انتشرت بكل أسف بدعم من بعض المواطنين؛
فمن وجهة نظر الكاتب أن من يضر باقتصاد الوطن ومصالح المجتمع العليا أشد فتكاً عليه ممن يرتكب جناية القتل حيث أن من يضر بالاقتصاد الوطني يقتل عمداً آلاف الأشخاص بل الملايين بالتسبب بشكل غير مباشر في حالات البطالة والاحتكار ورفع أسعار بعض السلع والتهرب الضريبي وغيره من الأمور التي يجب الحذر منها نظير تحقيق مصالحه الشخصية.
كما ننوه إلى أهمية إلى أنه حتى يتحقق دور التشريع في مجالات التنمية بشكل أكمل فلا بد من العمل بمبادئ الحوكمة في القطاع العام دونما إفراط أو تفريط.
وفي الختام، فإن تعزيز دور التشريع في تحقيق التنمية يستلزم كذلك:
-تهيئة بيئة سياسية حكيمة مستقرة تدعم الجهود الحكومية وسياساتها الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة.
-تعديل النصوص التشريعية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التنمية، فالتشريع ينبغي أن يتسم بالمرونة وسرعة الإجراءات حتى يستطيع مواكبة العملية التنموية، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في إجراءات سن التشريع متى ثبت عدم تحقيقها للمرونة والسرعة الكافية.
-تجنب التوسع في السلطة التقديرية وعدم فتح الباب أمام الاستثناءات في التشريعات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي، وأن تكون إجراءات ممارسة الأنشطة الاقتصادية والاستثمار واضحة لا تحمل اللبس أو التأويل.
-توحيد التشريعات ذات الصلة بالاستثمار وعدم تعدد الجهات القائمة على تطبيق القوانين ذات الصلة بالاستثمار.
-إشراك المجتمع من خلال ممثليه أو منظمات المجتمع المدني وأخذ مشورتهم في التشريعات الاجتماعية.
-وضع التشريعات التي تحد من هجرة الكفاءات الوطنية ورؤوس الأموال واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز دورها في التنمية.
-ضع التشريعات التي تعين على الاستفادة من الأيادي العاملة الوطنية المتزايدة ومحاربة ظاهرة البطالة والفقر، وتلبية متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، تلك التي تحقق مستوى معيشيا آمنا بعد ترك العمل.