بقلم: على الصاوى
عندما تبدأ يومك كل يوم فى الصباح بمطالعه الصحف ومتابعه الأخبار، وما يدور فى المجتمع تصاب بشيئ من الغثيان والإشمئزاز والتشاؤم لما تقرأه وتسمعه من جرائم قتل واغتصاب وانتهاكات لحقوق الآخرين بألوانها المختلفه وصورها المتعددة ، حينئذٍ تنتابك الدهشة وتقف مع نفسك متسائلاً ما هذا الهرج والإنفلات الأخلاقى الذى نعيشه؟؟ لقد تحول مجتمعنا إلى غابه من الوحوش الضاريه ،التى لا تعرف غير لغه العنف والساديه عن تنفيس ما بداخلهم من حقد دفين وشر مستطير تجاه الآخرين، وكأن الحياه أصبحت فى نظرهم ساحه للقتال شعارهم فيها البقاء للأقوى دون إكتراث لمبادئ اجتماعية أو قيم دينيه، “أقتل قبل أن تقتل وكل قبل أن تؤكل” هذه هى اللغه السائده فى هذا العصر !!
لقد غابت عنا المرؤة والشهامة وصرنا غرباء القيم والسلوك وتفرغت معاملاتنا من الأخلاق الحسنه على كل الأصعدة ،وهذا يعكس مدى الخلل والقصور التربوى فى الأسرة وفى مناهج التعليم المدرسي القائمه على التلقين دون النظر للتقويم السلوكى للفرد وغرس فيه أسمى معانى الأخلاق ،كما يحدث فى اليابان فى أولى المراحل التعليمية تدرس مادة تسمى الأخلاق لمدة ثلاث سنوات لتنشئه الطالب على أساس متين من الصلاح يضمن له النجاح طوال حياته، والتحلى بالصفات الحسنه وتعريفه مدى أهميتها فى التعامل مع الأخرين وأنها هى اللبنه الأولى فى بناء مجتمع حضاري قائم على الرحمه والحب والتسامح والبناء، لا على القتل والعنف والتخريب لذلك فهم من أولى الدول المتقدمه فى العالم وصناعتها تجوب دول الشرق والغرب ،وأصبحت تصدر علمها إلى كل مكان حتى أصبحت نموذج يحتذى به فى الرقى والتقدم مع أنها دوله فقيرة الموارد الطبيعية ،لكنها تمتلك أغلى ثروة فى الوجود وهو الإنسان الذى هو أصل كل شيئ، فأحسنوا استغلاله وتربيته وقاموا بتعبئته بكل القيم الحضارية ليكون أداه إعمار يعود على وطنه بالنفع ويساهم فى تطوير مجتمعه ودفعه للأفضل ليلحق بركب التقدم ومسايرة العالم فى كل شيئ ..
لقد أرسل الله رسولنا الكريم لنشر الدين فى كل مكان بشعار الخلق فقال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “وهذا مختصر لجوهر الرساله الذى أتى بها لكل البشرية ،وحين أثنى الله عليه امتدح خلقه فقال “وإنك لعلى خلق عظيم ” لأن الخلق هو التجسيم المشهود فى عالم التعاملات بين البشر ،مما يجعل صاحبه جدير بالإحترام من كل من يعرفه حتى الذين يكرهونه ويناصبونه العداء يرفعون له القبعه تقديرا واحتراما لسمو خلقه ،أنظروا إلى أبو سفيان عندما علم أن رسول الله تزوج من إبنته حبيبه عندما هاجرت إلى المدينه قال “هو الفحل لا يجدع أنفه ” أى هو الرجل الذى لا يرفض نكاحة.. فلولا معرفة أبوسفيان بمدى خلق رسول الله لم يكن ليقول هذا الكلام فى حقه لاسيما أنه حامل لواء الحرب عليه فى ذاك الوقت ..
فالمجتماعات التى لا تتحلى بالأخلاق ولا تضع لها قوانين تسير عليها مجتمعات محكوم عليها بالفشل وستظل غارقه فى مستنقع الجريمه والعنف والتخلف، فما نراه من هبوط حاد فى القيم والسلوكيات لا يمكن أن يبنى مجتمعات بل ستكون هى أولى معاول الهدم والتأخر، فمحور التقدم يرتبط ارتباط وثيق بأخلاق الأفراد والمفاهيم التى يتعايشون بها، فاليوم شبابنا غارق فى مستنقع الجريمه يعانى من الفراغ القاتل الذى يسيئ استخدامه بتفريغ كل طاقاته اﻹيحابيه فيما يضر، فيصبح إنسان عديم الفائدة زائد على الحياه موجود كفقود وحى كميت لا ينتفع به فى أى شيئ فيتحول إلى أفه خطيرة تنخر فى عظم وكيان المجتمع مما يؤدى فى النهايه إلى سقوطه..
ويجسد الكاتب اليابانى.. نوبوأكى نوتوهارا.. حال مجتمعاتنا فى كتابه ” العرب وجهه نظر يبانيه ” الذى عاش سنينا طويلة بين العرب و حين عاد الى بلاده ألف هذا الكتاب فقال فيه..
الدين أهم ما يتم تعليمه، لكنه لم يمنع الفساد .فهم متدينون جداً، وفاسدون جداً ،الحكومة لا تعامل الناس بجدية، بل تسخر منهم وتضحك عليهم، حين تسير فى الطريق تجد الناس فى توتر شديد.. ونظرات عدوانية تملأ الشوارع ،حين يدمر العرب الممتلكات العامة، فهم يعتقدون أنهم يدمرون ممتلكات الحكومة، لا ممتلكاتهم!!
لقد رأيت الباصات المكتظة تجري بينما يتعلق الركاب بالشبابيك والأبواب …يريد الناس أن يركبوا بأي ثمن وفي هذا الإزدحام المحموم، ينسى الكثير من الرجال والنساء السلوك المحتشم الذي يوجبه عليهم الإسلام كمسلمين ،أول ما اكتشفت في المجتمع العربي هو غياب العدالة الإجتماعية وهذا يعني غياب المبدأ الاساسي الذي يعتمد عليه الناس .. مما يؤدي الى الفوضى ،تحت ظروف غياب العدالة الإجتماعية تتعرض حقوق الانسان للخطر ولذلك يصبح الفرد هشاً ومؤقتاً وساكناً بلا فعالية لانه يعامل دائما بلا تقدير لقيمته كإنسان .. وهذا يفرض إستغرابي عن كونهم يستعملون كلمة الديموقراطية كثيراً ،المجتمع العربي عامة ليس عنده استعداد ليربي المواهب ويقويها.
وكما قالت رئيسه وزراء انجلترا مارجريت تاتشر وهى توصف حال الرجل الغربى بعدما تخلى عن القيم الأخلاقية وانحدر به الحال إلى مستوى مشين من الفساد الأخلاقى والسلوكى فتقول “إن الرجل الأبيض إنتهى ..لا لأنه تفرغ من العلم والتقدم المادى، بل انتهى لأنه تفرغ من الإيمان والمثل”
“فإذا أصيب الناس فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتما وعويلا “